بعد مقتل عكاشة.. في انتظار نبأ انتحار الحاج حداد

(ها أنذا اجتر ذكريات اصبحت عصية على المحو والنسيان)..
مقبول العلوي (رواية زرياب)..
ايها السادة:
انني رجل موبوء بحب الماضي.. عندما عدت الى البلاد في 2005 شرعت في البحث عن أصدقائي القدامي الذي عاشوا معي في طور ما من حياتي.. اولئل عاشوا معي طفولتي في جوبا وبين ردهات خور بوعو والذين درسوا معي في الدامر الثانوية وتشربوا من عبق المتصوفة المجاذيب والذين جمعتني بهم جامعة الزقازيق .. عشقوا ترعة مويس وشارع مولد النبي.. وجميع الذين صادفتهم في مناحى الحياة المختلفة.. حتى انني اقول دوما (لو كانت الذكريات فتاة لتزوجتها)..
كما ذكر مقبول العلوي في رواية زرياب ايضا (شعرت بنفسي لاول مرة خفيفا اكاد اقفز قفزا في حركتي وممشاي وفي تسلسل افكاري) هكذا كان شعوري وانا اقابل الحاج حداد صدفة في السوق العربي.. كم كانت فرحتى عارمة ان التقي رجلا فقدته في فترة تقارب ال 20 عاما منذ دراستنا سويا في الدامر الثانوية في الثمانينات من القرن الماضي.. الحقيقة لم يرحب بى بذات الترحيب الحار الذي منحته له.. استغربت وسألته الا تعرفي؟
ذُهلتْ عندما نطق اسمي الثلاثي بل وقال انت ود جوبا كيف أنسال.. انصرفت بعدما اخذت رقم هاتفه الجوال.. ربما في تلك اللحظة منحنى له مجبورا.. فيما بعد اتصلت عليه عدة مرات لم يجبني ..
بعد 6 اشهر قابلته صدفة في مطعم امواج.. كان يجلس وحيدا في انتظار شخص ما.. قضيت معه بضعة دقائق (علي خفيف) تبادلنا الحديث والذكريات.. في تلك اللحظة ادركت ان بين الرجل الجالس امامي وذلك الطالب المفعم بالنشاط والحيوية في مدرسة الدامر بون كبير وفرق شاسع كأنني امام شخصين لا شخص واحد..
عاودت الاتصال به لكنه لم يرد.. كنت اود ضمه الى قروب واتساب الدامر الثانوية .. حتى تلك اللحظة لم اعرف انه اضحى واحد من اباطرة تجارة السكر في البلاد ومليادير يشار اليه بالبنان..
في ذات يوم وصفت امراة- تبخرت من ذاكرة السمكة- وصفت عرسا خرافيا.. يشبه افراح الف ليلة وليلة.. لم اكترث للامر.. لكن عندما نطقت المراة باسم قرية العالياب مهد العريس.. توقفت كثيرا ثم سالتها عن اسمه أي العريس.. اجابتني.. وجدته مشابها لاسم الحاج حداد.. عرفت منها انه شقيقه.. وان من اقام العرس الخرافي هو صاحبنا رفيق الدراسة السابق..
زارني الصول انور في منزلي وبات معي ليلة كاملة.. تحدثنا سويا عن الماضي الوردي في مدينة المجذوب.. كانت للصول انور ذاكرة حديدية احسده عليها تشبه ذاكرة احد الضباط الذين دربونا في معسكر (قبر الكلب) ايام الإلزامية القسرية.. وسالته عن الحاج حداد بحسبان انه ابن منطقته.. اجابني ان الله اوسع له في الرزق وصار من اباطرة المال.. اوضح لي ان افضاله الكبيرة عمت اهل قريته والقرى المجاورة حيث شيد كثير من المنافع العامة.. وكان سخيا مع الفقراء والمساكين واصحاب الحاجة.. قول الصول انور ازال عن راسي تلك الصورة السالب التى رسمتها عنه..
مرت سنوات..
ذات ليلة تلقيت اتصالا كنت نائما.. عند الصباح اعدت ادارة الرقم ثانية.. جاءني صوت احد رفاق الدامر قال ان المتصل في الاصل هو الحاج حداد وانه كان يرغب في مقابلتي في العزاء.. العزاء لأحد رفاق مدرسة الدامر الثانوية توفى الى رحمة الله.. قلت في سري ربما الحاج حداد اراد ان يكفر عن المقابلة (المسيخة) التي أولاني لها سابقا.. اتصلت عليه اتصالا واحد من باب بارك الله في من زار وخف لم يرد.. كان هذا اخر اتصال بيننا..
فيما بعد قرات اسم الحاج حداد.. ورد ضمن الذين اعتقلوا فيما يعرف ب(انتفاضة قوش) التي اراد من خلالها جز رؤوس الفساد..
تضامنت معه لانني ادركت جيدا ان الذين يذهبون الى اضابير الامن ماذا يفعل بهم من تنكيل وقسوة.. سالت الله له الفرج والعودة سالما الى اهله.. تضامنت معه لانني ادركت ان الذين دارت حولهم شبهات الفساد مكانهم حراسات البوليس حيث التحقيق دون ترهيب وارهاب ثم تقديمهم الى المحاكم الجنائية للفصل في التهم الموجهة ضدهم..
اليوم قرات هذه المناشدة:
(تناشد اسرة الحاج حداد كل الحقوقيين وجماهير الشعب السوداني لتسليط الضوء علي إعتقاله ضمن مجموعة من رجال الأعمال الذين اعتقلهم جهاز الأمن والمخابرات لفترة تجاوزت الحد القانوني للإعتقال، دون تقديمه إلى محاكمة أو تمكينه من مقابلته لأسرته أو محاميه.
عن الاسرة : عثمان الحاج حداد.)
فمن حق اسرة الحاج حداد ان تخاف وتقلق على سلامة ابنها خاصة بعد البنأ المرعب الذي افاد بانتحار عكاشة محمد وهو في سجون الامن..
اضم صوتي لصوت الاسرة واطالب باطلاق سراح الحاج حداد او تقديمه لمحاكمة عادلة فاذا اذنب يعاقب.. واذا رات المحكمة براءته يفرج عنه مع تقديم الاعتذار اللائق لاشانة سمعته.. وتظل الكلمة الفاصلة للقضاء لا لسجون الامن..
ايها السادة:
كتب مقبول العلوي في رواية زرياب (هنا رايت حروبا ضارية حقيقية ومفتعلة قد تصغر وقد تكبر حروب تجري في كل حين للاستيئثار بقلب رجل واحد هو قلب سيد القصر) ..
ربما الخطأ الفادح الذي ارتكبه الحاج حداد وهو في غمرة مسيرته القاصدة لجمع المال نسى ان يستأثر بقلب سيد القصر.. فقلب سيد القصر هو طوق نجاة الذي فلتت منه القطط السمان.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..