«التطبيع» مع السودان وليبيا

فهمي هويدي

حين تتحدث التقارير الصحفية عن بوادر أزمة بين مصر والسودان أو عن غيوم وسحابات داكنة فى العلاقات المصرية الليبية، فإن ذلك يعد اقترابا من الخطوط الحمراء، لا ينبغي السماح به أو السكوت عليه. وكانت صحيفة «الحياة» اللندنية قد نشرت تقريرا (في 26/2) تحدث عن «انتقادات سودانية مبطنة لمصر». وذكر أن بوادر أزمة ظهرت بين البلدين، بسبب عدم تطبيق مصر لاتفاق الحريات الأربع (التنقل والعمل والإقامة والتملك)، ونقل على لسان مسؤول مصر في الخارجية السودانية عصام عوض قوله إن الحكومة المصرية ماطلت في إعادة 100 سيارة وأجهزة للتنقيب عن الذهب صادرها الأمن المصري من سودانيين اعتقلوا العام الماضي؛ لدخولهم الأراضي المصرية عن طريق الخطأ، وأفرجت القاهرة عن هؤلاء بعد تدخل الحكومة السودانية.
ورأى عوض أن مصر تلكأت في توقيع اتفاق الحريات الأربع لاعتراضها على حرية التملك والتنقل للفئات العمرية ما بين 18 و49 من الرجال السوادنيين تخوفا من أن تمثل تلك الفئة مشكلة أمنية. كما ان القاهرة اعترضت على حرية التملك أيضا، موضحا أن مصر تطالب بأن يكون حق التملك حرا، بينما ملكية الأراضي في السودان تتم وفق قانون الحكر (بموجب عقد يكسب المحتكر بمقتضاه حق الانتفاع بالأرض لقاء أجر محدود)، وأضاف أن مصر أظهرت عدم رغبتها في توقيع اتفاق بين الخرطوم والقاهرة لتبادل المجرمين، كما تحدث عن موافقة الخرطوم على طلب مصر تأجيل افتتاح معبري قسطل ووادي حلفا البريين اللذين كان منتظرا تدشينهما مطلع مارس المقبل. وأكد موافقة الحكومة المصرية على طلب السودان إلغاء كلمة الحدود الدولية في اتفاقية المعابر، مشيرا إلى أن الدولتين اتفقتا على الاكتفاء ببند خط عرض 22 كحدود بين البلدين لميناء قسطل ووادي حلفا، دون التطرق إلى أي موانئ أخرى، في إشارة إلى مثلث حلايب المتنازع عليه. ولفت إلى قبول الجانب المصري اعتراض السودان على عبارة الحدود الدولية التي وردت في بروتوكول التعاون المشترك بينهما. قائلا «لو قبلنا بها كان ذلك سيعد اعترافا بحق مصر فى حلايب وشلاتين».
على صعيد آخر ذكر مسؤول مصر في الخارجية السودانية أن فتح ملف النزاع على مثلث حلايب والمناطق الحدودية مع مصر «مرجأ إلى حين» وان الوقت مازال غير مناسب للتعاطي مع القضية نظرا إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية بمصر، إلا أنه جدد تمسك حكومته بالمثلث على اعتبار كونه أرضا سودانية قائلا إننا«لن نجامل في حق السودان».
الأمر مع ليبيا أكثر تعقيدا، فقد تفجرت في الآونة الأخيرة قضية تأشيرات الدخول خاصة على المصريين الذين يعيشون في محافظة مرسي مطروح الحدودية، وهم الذين يرتبطون بعلاقات تاريخية، قبلية وعائلية، مع نظرائهم في الجانب الليبي. وهو ما دفعهم إلى قطع الطريق بين البلدين، ما أدى إلى توقف وتكدس مئات الشاحنات التي تنقل البضائع بين البلدين وكانت السلطات الليبية قد أغلقت حدودها مع كل من مصر وتونس في الفترة ما بين يومي 14 و18 فبراير، وأبلغت السلطات المعنية في البلدين ان ذلك إجراء مؤقت اتخذ كاحتياط بسبب احتفالات ذكرى الثورة الليبية (في 17 فبراير)، خصوصا في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة داخل البلاد. إلا أن فرض التأشيرات على سكان مطروح التي درج العمل على إعفائهم منها، أعطى انطباعا بأن هناك إجراءات جديدة من شأنها تعويق حركة الانتقال ووقف وتبادل المصالح على الجانبين. وفيما علمت فإن الخارجية المصرية تحركت بسرعة لمحاولة حل الإشكال. وقام السفير يوسف الشرقاوي نائب مساعد الوزير لشؤون المغرب العربي باتصالات عدة مع المسؤولين الليبيين، الذين وعدوا بإعادة الأمر إلى ما كان عليه، إلا أن الخارجية المصرية لم تتلق بيانا رسميا يؤيد ذلك. فهمت أيضا أن رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل يوجه اهتماما خاصا للعلاقة مع ليبيا، وقد عقد في العاشر من فبراير الحالي اجتماعا خاصا لبحث هذا الموضوع، اتخذت فيه عدة قرارات مهمة لتفعيل علاقات البلدين، وتنشيط اللجان الأمنية والقضائية والبرلمانية المشتركة مع الجانب الليبي. إلا أن الطريق ليس ممهدا تماما أمام تلك الرغبات التي عبر عنها أيضا السيد محمد يوسف المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي حين زار القاهرة في العام الماضي. ذلك ان ثمة عوامل عدة كان لها تأثيرها السلبي على مسار تلك العلاقات. منها على سبيل المثال:
– قلق السلطات الليبية من وجود بعض أنصار القذافي في مصر، وهؤلاء يتراوح عددهم بين 27 و150 شخصا (بعضهم لهم صلات بالدولة العميقة). وهم يديرون استثمارات تقدر بأكثر من 20 مليار جنيه مصري. وثوار طرابلس يطالبون القاهرة بتسليمهم، لكنها لم تستجب لذلك لأسباب عدة أهمها أن التسليم له شروط دولية يجب مراعاتها، من بينها صدور أحكام إدانة نهائية بحق المطلوبين، وسلطات طرابلس ليست واثقة من أن هؤلاء ليس لهم علاقة بالاضطرابات الحاصلة في ليبيا.
– مسعى بعض الأطراف الليبية للوقيعة وإثارة المخاوف بين البلدين، خصوصا ما كان منها مخاصما للتيار الإسلامي. وكانت صحيفة «الديار» اللبنانية قد نشرت في يناير الماضي خبرا مدسوسا على لسان الدكتور هشام قنديل نسب إليه قوله: إن مصر لها حقوق تاريخية في إقليم برقة المتاخم لحدودها(ليبيا مكونة من ثلاث ولايات هي برقة وطرابلس وفزان) وهو ما كذبته القاهرة بسرعة. كما ان السيد محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية الليبي (علماني ليبرالي) ادعى على شاشة التليفزيون أن الإسلاميين الذين يحكمون في مصر وتونس يتطلعون إلى النفط الليبي لإنقاذ بلديهم من أزمتهما الاقتصادية، وأنهم لن يترددوا في استخدام القوة المسلحة لأجل ذلك.
– القلق من الهجرة غير المشروعة وتهريب السلاح والبضائع عبر الحدود.
حين تلوح أية غيوم في علاقات مصر بالشقيقتين الأقرب في السودان وليبيا، فذلك أمر ينبغي أن يعالج بمنتهى السرعة والحسم. وأيا كانت النوايا الطيبة التي تحرك الجهود الحاصلة الآن في ذلك الاتجاه، فالشاهد انها غير كافية، لأن الوضع الاستثنائي للبلدين في الرؤية الاستراتيجية المصرية، يتطلب جهدا استثنائيا في «تطبيع» العلاقات معهما.السبيل

فهمي هويدي
الشرق

تعليق واحد

  1. نحن من جانبا كسودانين نرى بان مصر في هذه المرحلة هى عدو محتل لارضنا ولا يمكن ان يكون هناك تواصل او صلات طيبة مع عدو مغتصب للارض فعلى مصر رد الحقوق وانهاء احتلالها لارض سودانية والا فلا هى صديقة ولاهى عزيزة وسنرد ارضنا بقوة سواعدنا كفى مهازل واستعلاء من الجانب المصرى فهل تظنون ان السودان حديقتكم الخلفية واننا زيل تابع لمصر فانتم واهمون فهذا زمان قد ولى اننا نريد علاقات تكون مبنية على الندية واحترام حقوق الجوار لا استغلال ظروف السودان واحتلال اراضيه فان كانت حكومتنا ضعيفة فسياتى يوم التغير وقريبا جدا وسترد كل الحقوق وما في الصدور كثير فالطلم طلمات ومصر ظلمت الجار السودانى كثيرا وحان وقت رد الحقوق لاهلها

  2. ونحن المعارضة السودانية نمثل غالبية الشعب السوداني نرجو منكم في مصر عدم الإعتماد على وعود الحكومة الحالية في إتفاقات أولاً لأنها حكومة غير شرعية ولا تمثل السودان وبعد سقوطها إنشاء تعتبر اي إتفاقات جرت مع السودان في تلك الحقبة لاغية وكأنكم تحرثوا في البحر ـ ومسألة الحريات دي بالذات عندنا فيها ألف رأي ورأي وتحتاج إلى دراسة متأنية وأكثر عمقاًَ ـ

  3. بينما يوجد مصريين مستنيرين يفهمون معنى المصالح المتبادلة والحفاظ على المصالح الوطنية العُليا للشعباالسوداني؛ ما زال ثمة من يتحركون ويفكرون تجاه السودان بعقلية “البشبزق” ذات الأطماع الاستعمارية تجاه السودان. أمثال يسيئون لعلاقات المصالح والجيرة الجغرافية التي لم يختارها أحد منا أو منهم، كما يسيئون أيضا لتلك العلاقات عبر اضطهاد النوبيين المصريين وعدم وضع قوانين مصرية تُعاقب على التمييز العنصري الذي وصلت أطراف سوطه الحادة واللاذعة للمواطنين السودانيين، كما ان الكاتب الإسلامي، الساكت عن حق النوبيين المصريين، وهم شركاء السودانيين الحقيقيين في بناء حضارة وادي النيل، لا يصلح وفقا للعقل والمنطق للحديث عن علاقات المصالح بين السودان ومصر. ببساطة لأن فاقد الشيئ لا يُعطيه، قال الشاعر:
    لقد أسمعت لو ناديت حيا
    ولكن لا حياة لمن تُنادي

  4. ابالسة الانقاذ تنازلوا طوعا عن حلايب وشلاتين وتنازلوا كرما عن شروع الجزيرة والشمالية منطقة دنقلا وبحيرة النوبة وادي حلفا للمصرييين ..للاسف الشعب غير مبالي فقد كل ممتلكاته والان بقي بيع الشعب السوداني ..

  5. البشير نفسو قصير بكرة يلوحوا له المصريين بكرت المحكمة الجنائية ويرجع ويوقع كل الشروط المصرية . المصريين اذكياء يعلمون ان هنالك نقطة ضعف كبيرة فى البشير فكلما سنحت لهم الفرصة يستغلوا هذه النقطة .وغدا سوف تجدهم يسرحون يهرولون فى الاراضى السودانية وبملك مش حكر . الله يرحمك يا وطن

  6. اسد فى الداخل ونعامة فى الخارج عمكم البشير ماقدر يمشى ليبيا لانو هددوه اذا وصل طرابلس او بنغازى حيوروه حاجة

  7. الشعب السوداني طفل غرير تلاعب به بني كوزو نصبوا له المصايد منذ الثمانينيات حتي يستفردوا بخيراته، والان نحن في زمن الحصاد المر..زمان ما قالوا حلايب منطقة تكامل بين البلدين اماالآن «لن نجامل في حق السودان».

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..