بارا جنة سواقي الريد (4)

أولاً أود أن أشكر كل الذين وافوني بملاحظاتهم حول ما ورد في الحلقات السابقة سواء بالاتصال هاتفياً أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي؛ وأخص بالشكر كل المتداخلين على صفحتي بالفيسبوك، فقد كان لمداخلاتهم ومناقشاتهم أثر طيب على نفسي، الأمر الذي شجعني على الاستمرار في كتابة هذه الحلقات التي يرجى لها أن تلفت اهتمام جميع الأطراف، الرسمية والشعبية، إلى بارا، المدينة والمنطقة. وإذا كانت الحلقات السابقة قد أعطت القارئ الكريم حصيلة لا بأس بها من المعلومات عن بارا ومكونها الجغرافي والاجتماعي، فإننا نود هنا تسليط الضوء على بعض التحديات التي تواجه هذه المدينة وتعوق تطورها الطبيعي كواحدة من أقدم حواضر شمال كردفان. فقد ذكر فيما سبق أن مجتمع بارا يعاني من شيء من عدم توافق الرؤية حول النهوض بالمدينة، على الرغم من التجانس النسبي الملحوظ بين مكوناته ومجموعاته المختلفة، وأن مرد ذلك كله يعود لبعض الطموحات الضيقة أو سوء التقدير من بعض النافذين في المجتمع، وربما يعود لابتعاد بعض ذوي الحكمة والحنكة من الرجال والنساء الذين من شأنهم تبصير الناس بحتمية الأخذ بأسباب التطور دون مماحكة وجدال بلا طائل؛ لأن بارا هي مدينة وليست ضيعة، وبالتالي يحق لها أن تعامل كمركز حضري وعمراني ينطبق عليه ما ينطبق على المدن الأخرى من أنظمة وتشريعات ومخططات عمرانية. ولا يفوتني هنا أن أسدي الشكر أجزله لأولئك الذين استجابوا لتحرك حكومة ولاية شمال كردفان من أجل تخطيط المدينة الذي طال بعض المنازل العريقة والمزارع، التي استجاب أصحابها بكل طيب خاطر، وهذا في حد ذاته مؤشر جيد يشجع على المضي قدماً في تطوير الأحياء القديمة من المدينة؛ حتى تكون مواكبة للعمران وتستوعب كل مستجد من الخدمات التي وعدت بها حكومة الولاية في حال اكتمال التخطيط. ومن التحديات التي تواجه بارا والمنطقة التابعة لها تعاقب موجات الجفاف التي ضربت أجزاء واسعة من شمال كردفان منذ سبعينات القرن الماضي، وحرمت المنطقة من كثير من المنتجات النقدية التي من أهمها الصمغ العربي الذي لم يعد ينتج في بارا الكبرى بعد أن اختفت شجرة الهشاب أو كادت! ومن ناحية أخرى، توقفت زريبة محاصيل بارا عن العمل تماماً؛ إذ لم يعد يرد إليها السمسم أو الدخن أو الذرة؛ لأن المواطن هنا قد ترك العمل بالزراعة المطرية إثر موجات الجفاف المتكررة التي دمرت الغطاء النباتي، وأهلكت الأشجار، أو كما يقال الضرع والزرع، وغيرت من طبيعة الأرض والإنسان، علاوة على انشغال الأيدي العاملة في الوقت الراهن بالبحث عن الذهب والثراء السريع، ولعمري ما ذاك إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءًا. أما الثروة الحيوانية، التي كانت تعد أحد أهم مصادر الدخل المباشر وغير المباشر لمنطقة بارا، فقد نفقت منها أعداد مقدرة خاصة من الأبقار، وقد أثر ذلك سلباً على النشاط الاقتصادي في سوق المدينة وما جاورها من قرى. وباختصار شديد، أثر الجفاف في منطقة بارا ديموغرافياً بنزوح كثير من سكان المنطقة؛ وخاصة من مدينة بارا؛ نتيجة لأنهم لم يعد بإمكانهم ممارسة نشاطهم البشري والاقتصادي أو أنهم صاروا يبحثون عن مناطق تتيح لهم فرصاً أفضل؛ وهذا بدوره أدى إلى توقف عجلة العمران والتطور في المدينة التي هجرها كبار أصحاب رؤوس الأموال والشباب والمهنيون الذي شقوا طريقهم حتى لخارج حدود الوطن في كثير من الحالات. يضاف إلى ذلك حالة الركود والتردي التي يعاني منها الاقتصاد السوداني الكلي مما انعكس سلباً على المناطق الهشة ومنها بارا، بكل تأكيد. أيضاً أضرت الهجرة ببارا من حيث النشاط الزراعي؛ إذ لم تعد سواقي بارا بذات الزخم الذي كنا نشهده في سبعينات القرن الماضي، واحترقت جنائن كانت تأتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولكنها أصبحت أثراً بعد عين الآن. وعانت بارا، كما أسلفت، من سوء الإدارة وغياب الخدمة المدنية الفاعلة إلا خلال فترات متقطعة منها على سبيل المثال لا الحصر فترة المعتمد بله الحسن الذي بذل جهداً خارقا؛ ً فربط بارا بمدينة الأبيض عن طريق الأسفلت الذي ضخ دماءً جديدة في شرايين المدينة فصارت على اتصال مباشر مع الخرطوم سواء بالطرق أو من مطار الأبيض ومع غرب السودان بالاستفادة من طريق النهود الذي يصل حتى دارفور. لا أود أن أشير إلى بعض الإهمال المتعمد الذي لاقته بارا، مع أنها من الممكن أن تكون من أكثر المحليات دخلاً للخزينة العامة، سواء على مستوى الولاية أو المركز؛ ولكن ربما لتقديرات خاطئة لم تحظ بارا بالقدر الكافي من الاهتمام إلا في ظل نفير نهضة شمال كردفان الذي ينتظم الولاية حالياً ويتوقع أن تستفيد منه بارا في مجال شبكة المياه والطرق الداخلية وبعض المنشآت مثل أستاد بارا حيث يسير العمل بخطى حثيثة. أما من حيث العمران فإن كثيراً من المنازل والمباني العامة والحكومية في بارا لا تزال بحاجة إلى التطوير أو بالأحرى إعادة البناء.
[email][email protected][/email]
اقتباس (مع أنها من الممكن أن تكون من أكثر المحليات دخلاً للخزينة العامة، سواء على مستوى الولاية أو المركز؛) الناس ديل مساكين علي العليهم كمان يا دكتور داير تجيب ليهم الكيزان منشان يمصوا ما تبقى لهم عافيه … ما لكم كيف تحكمون …
اقتباس (مع أنها من الممكن أن تكون من أكثر المحليات دخلاً للخزينة العامة، سواء على مستوى الولاية أو المركز؛) الناس ديل مساكين علي العليهم كمان يا دكتور داير تجيب ليهم الكيزان منشان يمصوا ما تبقى لهم عافيه … ما لكم كيف تحكمون …
لعبت مدينة بارا أدواراً تاريخية في تفعيل الحركة الوطنية إبان فترة الاستعمار، حيث تكونت لجنة لمؤتمر الخريجين، وقد زارها الإمام محمد احمد المهدي خلال فترة الدعوة للمهدية، كان النشاط السياسي بالبلدة محصورا آنذاك على تنظيم الندوات السياسية في أحد الأندية (نادي بحر كردفان) وعندما حظرت السلطات الإنجليزية تنظيم تلك الندوات في الأندية انتقل النشاط إلى أماكن المناسبات الاجتماعية والتجمعات الاحتفالية كاحتفالات المولد النبوي.
لعبت مدينة بارا أدواراً تاريخية في تفعيل الحركة الوطنية إبان فترة الاستعمار، حيث تكونت لجنة لمؤتمر الخريجين، وقد زارها الإمام محمد احمد المهدي خلال فترة الدعوة للمهدية، كان النشاط السياسي بالبلدة محصورا آنذاك على تنظيم الندوات السياسية في أحد الأندية (نادي بحر كردفان) وعندما حظرت السلطات الإنجليزية تنظيم تلك الندوات في الأندية انتقل النشاط إلى أماكن المناسبات الاجتماعية والتجمعات الاحتفالية كاحتفالات المولد النبوي.