سيلفي الكرامة..!

ما أن يحل شهر رمضان تبدأ حملات دعم الفقراء عبر ما يُعرف بـ ?سلة رمضان?.. تنشط منظمات وجمعيات ومجموعات في هذه المشاريع التي تجد دعماً واسعاً من المجتمع، وبعيداً عن شهر رمضان فإن تجربة شارع الحوادث شاهدة على قدرة مثل هذه الأنشطة في خلق فعل يخدم المجتمع وكذا الحال في مبادرة ?نفير?.

والأمر ليس قاصراً على المنظمات أو الجماعات الطوعية، هناك مؤسسات حكومية أو حكومات محلية تنشط في شهر رمضان لكنها للأسف في إطار التكسب السياسي الرخيص أكثر من كونه فعلاً إنسانياً، بل هو بهدف التكسب ليس إلا.

اللافت في مثل هذه النشاطات الإنسانية والتي تنطلق ابتداءً من فكرة تقديم المُساعدة والعون للذين يعجزون عن توفير لقمة يومهم، اللافت أن هذه النشاطات أصبحت مهرجانات بائسة لالتقاط الصور وعرض حالة متلقي الدعم وإعلانها لكل العالم بما يشبه ?شيل الحال?.

وللأسف الإعلام الحديث يؤدي هذا الدور بقصد وبدونه، يؤديه بامتيازٍ، بل رسخ لهذا النوع من الثقافة.. ما أن يصل أحدهم إلى أحد البيوت المنكوبة، فيكون حرصه على التقاط ?السيلفي? وهو يقدم المساعدة أكثر من حرصه على الفعل نفسه، بل يشعرك بعضهم أن الهدف من الفعل هو التقاط ?السيلفي?.

قبل فترة، أظهرت صور انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أحد ولاة الولايات وهو يقدم دعماً لسيدة فقيرة، كان يظهر بزيف تعاطفاً ليس حقيقياً. الكاميرا التي أمامه وهو يشارك السيدة حمل جوال السكر بينما السيدة اضطرت لتغطية وجهها حتى لا تظهر أمام الكاميرا، كان مشهداً مهيناً لكرامة هذه السيدة بدرجة بالغة، فيه انعدام لأدنى درجات الحساسية تجاه كرامة الأشخاص وإنسانيتهم.

الآن تنتشر بكثافة مثل هذه الصور، أمس القريب ومع صعود أخبار الإعانات والإغاثات الخارجية، وتحوّلت البلاد إلى سلة لإغاثات العالم، انتشرت صور لمنسوبي الشرطة مرتدين للزي العسكري وهم يحملون ?كراتين? طُبع عليها العَلَم التركي، كانوا في غاية السرور وهم ينظرون إلى الكاميرا، ربما ببراءة حدث هذا المشهد، لكنه عكس صورة.

لماذا لا تتم مثل هذه النشاطات بعيداً عن الكاميرات، ولماذا لا يسأل هؤلاء أنفسهم كيف يكون وقع نشر هذه الصورة عند مُتلقي الإعانة، عند أهله، عند أبنائه، عند أصدقائه.

فكرة فعل الخير في الأصل ليست محلاً للتكسب السياسي أو الاجتماعي، هي مساعدة أفعلها بصمت أو أتركها.

التيار