أولوية الفلسفة على السياسية لحل المعضلة السودانية

ان أزمة الحضارة والثقافة السودانية تكمن في عدم وجود فكر سوداني يعبر عنها في شكل مفاهيم تؤدي إلى استيعابها، فكل الفكر المتداول داخل الواقع السوداني جاء إليه من الخارج أي هو عبارة عن أفكار مجتمعات أخرى، ولا يوجد ارتباط مباشر بين ذلك الفكر وبين المجتمع السوداني. فالواقع يعتبر المعمل المختبري للنظريات الفلسفية في مدي توصيفها له ومدي فائدتها من عدمه، ونتيجة لعدم إدراك ذلك يتم تداول الفكر بكثير من التبسيط وعدم ضبط للمفاهيم نتيجة لتجاوزها للواقع الحقيقي وتعبيرها عن واقع متخيل، فنجد مثلا من يتملك حصيلة معرفية يسمي مثقف عند كثير من النخب قبل المجتمعات، رغم ان المعرفة والثقافة عبارة عن مجالين مختلفين، فلا وجود للفرد المثقف مثل الطبيب أو المهندس أو النجار أو غيره من مجال المهن، لان الثقافة عبارة عن مرحلة تحولات ينتمي إليها كل الأفراد والمجتمعات. وقمة المهزلة الفكرية ان تجد فرد يوصف ذاته بأنه سوداني علماني مسلم. فالمجال الفكري في السودان مجال يخضع لاختيار الفرد دون إدراك علاقة ذلك الفكر بواقع الفكر أو واقعه الذي أنتج به.
ونتيجة لعدم وجود فكر سوداني أو محاولة رسم صورة للواقع من خلال المفاهيم دون اصطحاب رؤى الآخر الفلسفية، خلت المجتمعات السودانية من الذاكرة التراكمية التي توضح مسيرة المجتمعات والأدوات التي تضبط تلك المسيرة. وأصبح الواقع في كل مراحل التحولات الاجتماعية عبارة عن مجال تجريبي لنخب قاصرة عن إنتاج الفكر، ونجدها تستعين بأفكار الآخر من اجل محاولة حل الأزمات التي تنتجها تلك النخب باعتمادها على أفكار الغير، ولولا حضارة السودان الضاربة في القدم لتفكك المجتمع السوداني منذ أمد بعيد، فتلك النخب تعمل من خلال مشرط جرحي دون أن تدرك مكان العلة الحقيقية، فعملت على تمزيق الجسد السوداني الذي لازال يتمسك بأمل يأتيه من حضارته التاريخية تلك.
ودون ان نتحدث عن التاريخ القديم نجد في التاريخ الحديث للسودان منذ الاستقلال والى الآن، ان النخب القاصرة تلك قد اعتمدت على الفلسفتين العربية والغربية من اجل قيادة الواقع دون إدراكه، فلم تقف تلك النخب لحظة من اجل تفكيك فكر الآخر أو محاولة إدراك الواقع بعيدا عن ذلك الفكر، لذلك نجد ان تلك الأفكار هي التي تسيطر على عقلية تلك النخب. فجزء من النخب والأحزاب السياسية تنتمي إلى الفلسفة العربية المتمثلة في العروبة والإسلام، فتلك الثنائية كما ذكرنا في مقال سابق عبارة عن مظلة فكرية واحدة للإنسان العربي الذي يري الحياة من خلال القبلية أو العروبة اما الإسلام فهو عبارة عن الثوب الذي يعبر من خلاله إلى تلك الشخصية. ومن تلك الفلسفة وفي مجال العروبة خرجت أحزاب القومية العربية أمثال الحزب الناصري والبعثي وغيرها، اما في مجال الإسلام فخرجت الحركة الإسلامية وأنصار السنة وغيرها. وأحزاب أخرى اتجهت إلى الفلسفة الغربية في شقيها العلمانية والاشتراكية الشيوعية، فكل تلك الأفكار في جذورها عبارة عن مظلة فكرية واحدة تعبر عن الإنسان الغربي ونظرته للحياة. ومن تلك الفلسفة خرجت الأحزاب الاشتراكية والشيوعية والعلمانية. ولان الفلسفة ليست محاولة لرسم صورة للواقع ولا يوجد لها ضابط مجتمعي نجد ان بعض الأحزاب تأخذ من تلك الفلسفات رغم تضادها، فلكل واحدة من الفلسفتين رؤيتها للذات وللآخر تصل إلى درجة رفضه أو التقليل من إنسانيته، ورغم ذلك تأخذ الأحزاب السودانية من تلك الفلسفات في نظرية تلفيقية للفكر وتازيم للواقع أكثر فأكثر. ومن تلك الأحزاب نجد حزب الأمة والحزب الاتحادي وغيرهم. وهنالك الأحزاب التي تسمي نفسها غير العقدية ولكنها في الحقيقة تحاول الخروج من مأزق الفكر الديني لترمى نفسها في أحضان الفكر الغربي.
والدولة في نظر كل تلك الأحزاب عبارة عن هيكل إداري يفترض من خلاله إدارة تلك المجتمعات وتوصيلها إلى ما تراه تلك الأحزاب ونخبها من خلفها، ومن شدة التعقيد الذي خلقته تلك الأفكار على ارض الواقع نجد من النخب التي هي خارج تلك الأحزاب من تحاول ان تتبني فكرة هيكلة الدولة، وتتحدث تلك النخب عن أزمة التنمية باعتبارها هي جوهر الأزمة السودانية والتي يمكن من خلالها معالجة المعضلة الشائكة والخروج بالسودان إلى بر الأمان. وهي محاولة لتجريد الإنسان من نزعته الفكرية، وبالتالي هو مجرد هروب من جانب تلك النخب من أسئلة الحياة والإجابة عليها. فما يحدث في السودان هو صراع لتلك الفلسفات داخل الواقع السوداني وللأسف بأيدي سودانية، فتلك الأحزاب أخذت تلك المفاهيم مثل الدولة والدستور والسياسة ومارستها دون إدراك لجوهر تلك المفاهيم أو ما يفترض ان تعكسه على الواقع، وأصبح المجتمع السوداني ميدان خصب لخيالات أولئك السياسيين وكل منهم يسعي إلى تجريب ما تصل إليه مخيلته على المجتمع.
وما لا يدركه السياسيين ومن خلفهم النخب التي أصبحت تابعة لهم انه في ظل فلسفات مختلفة لا يمكن إيجاد مسمي لوطن حتى تمارس تشريحها ذلك، فسيكون نهاية الوطن على أيدي أبنائه يتمزق ببطء وتؤدي الاختلافات الفلسفية إلى إهدار دماء المجتمع قبل ثروته وتاريخه. وكل ذلك نتيجة لعدم وجود فكر سوداني أو المحاولة إلى إيجاد ذلك الفكر، فالفلسفة أو المظلة الفكرية هي انعكاس لواقع وتاريخ مجتمع محدد ونظرته إلى الحياة من خلال منظومة من الأفكار المتكاملة مع بعضها البعض. فالفلسفة ليست إجابة لأسئلة معلقة في الهواء ولكن إجابة من داخل المجتمع لماهيته وماهية الحياة في نظره. فالعلاقة بين الفلسفة والمجتمع علاقة تكامل لا ينفي احدهما الآخر، والفلسفة الحقيقية هي التي يتكامل داخلها تاريخ وواقع المجتمع وقيمه دون استبعاد لأحدهما، وتلك المظلة الفكرية هي التي تبلور ماهية المجتمع ونظرته للحياة وتخرج منها الأفكار الأساسية التي تحكم كل أطراف المجتمع إذا كانت سياسية أو غيرها.
فالفلسفة ليست رؤية للذات أو هوية المجتمع فقط ولكنها بالإضافة إلى ذلك رؤيته لمعني الإنسانية ونظرته للآخر وإدراكه لمفهوم الإله، أي هي نظرة شاملة للحياة، وتكامل تلك الإجابات يؤدي إلى تكامل المجتمع وأدواته السياسية وغيرها ويقوده إلى تأسيس واقع متزن ومستقبل واضح، اما من دون تلك المظلة الفكرية أو الفلسفة لا وجود لثقافة واحدة أو مجتمع واحد داخل دولة واحدة. وإذا لم تخرج النخب السودانية من شرنقة ان كل الأسئلة قد تم الإجابة عليها وان علينا فقط اخذ تلك الإجابات وعكسها على الواقع السوداني، فهي ستظل عاجزة عن إدراك الواقع ونقله إلى المجتمعات، بل ستستمر حالة الأزمة السودانية التي أصبحت تعتمد على تلك النخب بالدرجة الأولى نتيجة لتمثل تلك الأفكار في شخصية أفراد ومجتمعات تتصارع فيما بينها.
[email][email protected][/email]
كلام غريب وعجيب ويدل على سطحية وعدم وعى ,,,
من قال لك أن المعرفة والثقافة مجالين مختلفين … تكون الأولى تهتم بالزراعة
والثانية تهتم بالرعى ؟؟؟؟
ومن قال لك أن الفلسفة هي التي تحكم ,,؟ الفكر الفلسفى يا صديقى وسيلة وليس أداة للحكم ولهذا يمكن أن يكون الحاكم فيلسوفا ولا يحكم بالفلسفة ..
حتى أرسطو في جمهوريته قال بضرورة حكم الفلاسفة ولم يقل بحكم الفلسفة ..
أشكرك أستاذ خالد على هذا الرد المهذب الذى يدل فعلا على تخلقك باخلاق الفلاسفة
وأقلها تقبل الرآى الآخر ,,
كاتب هذه الأسطر خريج قسم الفلسفة قبل أربعين عاما و حتى بعد تجاوزى مرحلنى الماجستير والدكتواراه في مجالات أخري ولكنها ذات علاقة وثيقة بالفلسفة فإن الفلسفة لم تغب يوما عن خاطري ولدى كتاب في المكتبة العربية يمكن الإطلاع عليه بعنوان ( مباحث الفلسفة الرئيسية ) صادر عن دار الجيل في بيروت ..
أنا أصدقك القول بان معارفنا في الفلسفة بل قل عن تأريخ الفلسفة متأثرة تماما بالطرح الغربى ,,, هناك فلسفات عظيمة في الشرق لم يتطرق اليها الغرب في تحليلاته وإستعراضاته للفكر الإنسانى ,,
المجال قد يطول ويتشعب بنا ولكننى أعود وأشكرك على الرد الجميل الواعى …وجد آسف لو كان ردى الأول قد ازعجك ..
كلام غريب وعجيب ويدل على سطحية وعدم وعى ,,,
من قال لك أن المعرفة والثقافة مجالين مختلفين … تكون الأولى تهتم بالزراعة
والثانية تهتم بالرعى ؟؟؟؟
ومن قال لك أن الفلسفة هي التي تحكم ,,؟ الفكر الفلسفى يا صديقى وسيلة وليس أداة للحكم ولهذا يمكن أن يكون الحاكم فيلسوفا ولا يحكم بالفلسفة ..
حتى أرسطو في جمهوريته قال بضرورة حكم الفلاسفة ولم يقل بحكم الفلسفة ..
أشكرك أستاذ خالد على هذا الرد المهذب الذى يدل فعلا على تخلقك باخلاق الفلاسفة
وأقلها تقبل الرآى الآخر ,,
كاتب هذه الأسطر خريج قسم الفلسفة قبل أربعين عاما و حتى بعد تجاوزى مرحلنى الماجستير والدكتواراه في مجالات أخري ولكنها ذات علاقة وثيقة بالفلسفة فإن الفلسفة لم تغب يوما عن خاطري ولدى كتاب في المكتبة العربية يمكن الإطلاع عليه بعنوان ( مباحث الفلسفة الرئيسية ) صادر عن دار الجيل في بيروت ..
أنا أصدقك القول بان معارفنا في الفلسفة بل قل عن تأريخ الفلسفة متأثرة تماما بالطرح الغربى ,,, هناك فلسفات عظيمة في الشرق لم يتطرق اليها الغرب في تحليلاته وإستعراضاته للفكر الإنسانى ,,
المجال قد يطول ويتشعب بنا ولكننى أعود وأشكرك على الرد الجميل الواعى …وجد آسف لو كان ردى الأول قد ازعجك ..