( المحرشكم منو؟)

:: وما يُحكى عن شيخ البطانة أب سن، أنه كان جالساً – بكل وقاره وهيبته – أمام دكان بسوق رفاعة.. وجاء أحد دهماء المدينة ووقف قبالته، ثم لطمه على خده لطمة ذات دوي، فعم المكان سكون مخيف، وانتظرت رفاعة كلها رد الفعل.. ولكن أب سن لم يفعل شيئاً غير أن يمسك الرجل من ثوبه ويجذبه عليه – وكان يرتجف خوفاً – ثم يسأله بهدوء: )عليك أمان الله ما بسويلك شيء، إلا بس وريني المحرشك منو؟).. كان ذكياً، فالذي يرتجف بين يديه ليس بمقدوره أن يفكر في فعل كهذا ما لم يكن (مُحرشاً)..!!

:: ومن الأخبار الغريبة، نفذ أهالي منطقة النوبة بالكاملين تظاهرة سلمية، على طريق الخرطوم مدني، احتجاجاً على زراعة علف الرودسة في أراضٍ بمشروع ألبان شمال الجزيرة، وبحسب الأهالي فإن علف الرودس تسبب في توالد الناموس الناقل للملاريا، وذكروا – لصحيفة الجريدة – أن التظاهرة تأتي بعد المهلة التي حددتها محلية الكاملين بشهر لمعالجة الأمر، عقب معالجات الرش التي باءت بالفشل، وقال الأهالي إن كل الخيارات مفتوحة في المرحلة القادمة..!!

:: ذاك نص الخبر المُريب، ليبقى السؤال لأهالي النوبة: (المحرشكم منو؟).. وقبل هذا، ماعلاقة علف الردوس بتوالد الناموس، بحيث يحتج أهالي النوبة على زراعة علف الردوس ولا يحتجون على زراعة القمح والقطن؟.. لا توجد علاقة بين علف الردوس وتوالد الناموس، أو كما يجتهد صُناع الحدث في خداع الرأي العام وبعض وسائل الإعلام.. فالناموس يتوالد في البرك الآسنة والمستنقعات، وكذلك يتوالد الناموس – بالإهمال – في كل المشاريع والحواشات، ردوساً كان الزرع أو عدساً وفولاً..!!

:: وبالمناسبة، ما يحدث بمحلية الكاملين يذكرنا بما حدث أيضاً لمشروع شركة الروابي بمحلية المتمة قبل سنوات.. إذ أطلق المسمى بمجلس أهل الحق بالخرطوم – في الصحف – ما أسماه بالنداء الأخير، مخاطباً شركة الروابي بإخلاء محلية المتمة والرحيل عن ولاية نهر النيل.. فالروابي تستثمر في مجال الزراعة والمراعي.. وما يسمى بمجلس أهل الحق بالخرطوم طالب برحيل شركة الروابي بعد اتهام طال بعض العاملين بالشركة بنحر وأكل ناقة مواطن بالمنطقة، ولم يتم تعويض صاحب الناقة..!!

:: وليس في الأمر عجب، فالناقة في بعض أقاليم بلادنا تتسبب في زهق الأرواح وإراقة الدماء، ولذلك كادت أن تتسبب في رحيل شركة بحجم الروابي من نهر النيل لولا تدخل العقلاء وسؤالهم لأعضاء مجلس أهل الحق (المحرشكم منو؟).. وهكذا.. وراء كل مستثمر هرب بجلده قط سمين أو قطط سمان.. وعجزت الحكومة عن مواجهة الأسئلة التالية: إلى متى يأتي المستثمر إلى بلادنا، ويدفع ما عليه من رسوم ويستلم الأرض من السلطات الحكومية، ثم يقف مع الأهالي في المحاكم – عاماً أو أعواماً- لإثبات صحة أوراق الأرض المختومة بأختام حكومية..؟؟

:: وإلى متى يأتي المستثمر، ويدفع دم قلبه، وتسلمه السلطات المركزية الأرض المراد استثمارها، وعندما يذهب – بالمساح – لاستلام الأرض، تقابله السلطات الولائية والمحلية بالرفض؟.. وإلى متى يأتي المستثمر، ويشرع في الدفع للسلطات المركزية والولائية والمحلية إلى أن يستلم الأرض من السلطات الحكومية، ثم يدفع التعويضات للأهالي، وكأن الأهالي ليسوا من رعية تلك السلطات الحكومية التي سلمته الأرض بعد استلام رسومها؟.. ثم إلى متى يُمارس بعض الأهالي دور (مخلب القط)، بحيث يتسببوا في تعكير مناخ الاستثمار بتظاهرة لا تتكئ على الحقوق والواجبات، بل على الناموس والناقة وأشياء غير منطقية ، ثم لا تسألهم جهة مسؤولة: (المحرشكم منو؟)..!!