الداخلية تشعر بالعجز

كل يوم يخرج إلينا وزير يعترف بعجز وزارته عن القيام بدورها ويأتي بالتبريرات التي يراها مناسبة من وجهة نظره، وهي لا تعكس إلاَّ مدى عمق الأزمة التي تعيشها البلد بسبب حكومتهم التي تعمل من أجل نفسها. بالأمس فقط وزير الداخلية قال أمام البرلمان، إنَّ وزارته لا تستطيع لوحدها حماية المجتمع من خطر المخدرات دون مشاركة القوات الأمنية الأخرى ودور المجتمع، لأن حماية المجتمع من الجريمة مسؤولية الجميع وليس وزارة الداخلية وحدها، وأن الوزارة تقدر الظروف الاقتصدية التي تمر بها البلاد، ولكن لا بد من حماية الذين يحفظون الأمن من المغريات من خلال تحسين شروط خدمتهم. كلهم قالوا هذا أمام البرلمان ولم يُفعل لهم شيء، فهو أيضاً جزء من نفس المنظومة المدمرة.
صحيح الداخلية وحدها لا تستطيع حماية المجتمع من خطر المخدرات ، ولا يمكن للمجتمع أن يقوم بأي دور، مالم يتحقق الأمن الاقتصادي للجميع ويتجاوز الوطن مرحلة الجوع. وتجارة المخدرات انتشرت بسبب الفقر والعطالة وندرة العمل والفوضى الاقتصادية التي تعم البلد، وإذا أرادت الحكومة أن توقف تجارة المخدرات، يجب أن توقف الدافع لمزاولتها وتوقف الفوضى في البلد. وقبل أن تحسن الحكومة شروط خدمة الذين يحافظون على الأمن، يجب أن تحسن شروط الحياة لجميع المواطنين، وإلا فإنها كمن يحرث في البحر وستدفع ثمناً باهظاً لفرض الأمن بقوة القانون وفي النهاية لن تنجح، فلا أمن مع الفقر والعطالة والجهل والتخلف والصراعات والفوضى.
المصيبة الكبرى أنَّ الحكومة غير مهتمة تماماً بمسألة الأمن الاقتصادي، وتركز كل جهودها على فرض قوة القانون وتخصص له كل إمكاناتها، والحكومة لديها الإرادة التي تجعلها تتحدث عن تطويره باستمرار ودون تحديد زمن أو معوقات، ولكن عندما تتحدث عن الاقتصاد، تقول إنها لا تحمل عصا موسى، وإن علاج مشاكل الاقتصاد تحتاج إلى سنوات وزمن كبير، ولا بد من عمليات جراحية مؤلمة ولا توجد حلول إلا في رفع الدعم وتحويل المواطنين إلى منتجين، ولا بد أن يستحمل المواطن ويصبر.
ثلاثة عقود والسودان يدور في هذه الدائرة المغلقة ولا تريد الحكومة كسرها، فقط لأنها تؤمن أن قوتها تكمن في تجويع الشعب.
خلاصة القول وزارة الداخلية مهما فعلت لن تحمي المجتمع من المخدرات، مالم تحمه الحكومة من العطالة والفقر والجهل والمرض واليأس والإحباط والفراغ، ومالم تفهم أن الأمن الاقتصادي هو العامل الحاسم لتحقيق جميع أنواع الأمن، وأفضل لها ألف مرة أن تسعى إلى تحقيقه بصدق وأمانة، بدلاً من الاستمرار في لي عنق الحقائق والتبرير الكاذب.
التيار