يا قمر بوبا

– يَا قَمَر بوبا ,—————–
= لَقَد وَصَلَ نَهْرُ النيل إلى مُستوى الفَيْضان., وزادَتْ نِسْبةُ الطَمْيِ بسبب الأمطار., فتَغَيَّرَ لَوْنُ النيل إلى اللَوْن الأزرق.إنّهُ ,, بَحَر الدَمِيرة.,,.
بَحَر الدَمِيرة الْعَبَّ ونَزَل مَرَّة يَسْقِى الفُلْ والنَخَل
يَا قَمَر بوبا عَليك تَقِيل
– تَرْبية الإبل ليست معْهودة فى البلد,شمال السُودان, ولكن عَلّوب كان لديه ناقة..قال ; [ إذا جاءت الدَمِيرة فإنَّ مُوسِم الخُصُوبة والتناسُل ينتقل إلى الحيوانات فتَهِيج ويرْكَبَها الجِن .].لقد كادَت ناقة عَلّوب تفْقِد عَقْلَها.جَحَظَتْ حَدَقَتاها , وَاحْمَرَّتْ مُقْلَتاها , وعَلا الزَبَدُ شَفَتَيْها.,وكادت تُحَطِّم رَأْسَها على الأحجار وبَدَتْ كدِرْوِيشٍ فِى حَلَقَةِ ذِكْر.
,-عَلّوب ليس مِنْ البلد.ولكنَّهُ يعيشُ في البلد مع ناس البلد.لذا فهُو مَقْطُوع, لا زَوْجة له ولا أولاد ولا أقارب.يقْرَأ الكُتُب ويتْلُو القُرْآن ويَؤُمُّ الناس فى الصلاة.وارتبط فى أذهان الناس بالفَقْر والحِكمة ومعْرفة أُمُور العلاج.يطْلُبُه الناس وقت الشدة كي يستريحوا بحَمْلِه عنهم مشاكلهم وما يُؤرِّقُهم فى حياتهم كَوْنَه مجهول, ما يُسْرَد له من تفاصيل لن يُنْشَر أو يُحْكَى فى سِياقٍ آخَر..كانَ يبدو أنَّهُ بقلبه الخالى من الدُنيا يستطيع أنْ يرسُم البسمة فى قُلُوب التُعَساء.لقد كانَ صارِفاً وجْهَه عن عوالم الخلائق تظْهَرُ فى وجهه الفَرْحة ورُبَّما اِنْطَوَى قَلْبُه على كثيرٍ مِنْ الأحْزان.إنّهُ يُمارِس الحياة عبر مذاقاتٍ لا تُدْرَك وفلْسَفةٍ لا يستطيعُها المغْرُورون بظاهِرٍ مِنْ الحياة الدُنيا وهُمْ عَمَّا وراءَها هُمْ غَافِلُون.كانت لديْه لُغَة كلُغَةِ الوَحْي , ولُغَة الأدَب.كَرِيشةِ الفَنَّان.كانَ لا ينطق بكلمة واحدة عَبَثاً., ويرُوقُ لهُ أنْ يستعمل الإشارة فى لُغَته.وجَدَني ذات مرّة واقِفاً تحت الشجرة أمام منزل فُؤاد فى الحَيِّ الجُنُوبي, وقْت القيْلُولة والشوارع خالية من المارّة.فقال بلُغَته ذات الإشارة ; { لا يَعِيبُ الرجُلَ أنْ يعْشَقَ وأنْ يلْتَمِس الوِصال ولكن ينْبَغِى أنْ تُؤْتَى البُيُوتُ مِنْ أبْوابِها !!}.ثُمَّ مَضى .
, كانَ عَلّوب ينتظر حُدُوث مُعْجِزةٍ له., ويُتابِع إنْسِياب الملائكة فى سَرَاب الأُفُق., ويقُول ;[إنَّ بَابَ المُعْجِزات لا يَزالُ مفْتُوحاً أبَداً ودائماً.].فى مُناسبة عَزاء فى المسيد , قام عَلّوب خطيباً فى النَّاسِ , فقال ; [ أيُّها الناس, إنَّ الإنسان إذا نام أتاحَ للمَوْت أنْ يتمكَّن مِنْه فيُمَوِّته.,ولهذا وَجَبَ عليكم ألا تنامُوا , خاصَّةً في الليل, لكَيْلا تمُوتُوا كما ماتَ صاحِبُكُم هذا.لقد أخْطأ المرحوم لأنَّهُ نام, لو لم ينَم لما غافَلَهُ المَوْت.اشْرَبُوا بالليل واقرءوا الجرائد والقُرآن والكُتُب.عليكم اليقظة والحَذر.إنَّ المَوْت يتسلَّلُ مع الظُلُمات مِنْ جهة الصحراء.لا يبقي فى عُمْق الليل إلا المَوْت والجِن يسعُون فى العراء, ويُهَمهِمون بالمُحاورات الخَفِيَّة فإذا وَجدُوا نائماً مَوَّتُوه., حاوِلُوا أنْ تختطفوا إغفاءةً فقط قبل أنْ يضرب الفجْرُ الأُفْقَ بالنُور.].
شُوهِدَ لأوَّل مَرَّة فى البلد كيف يُلَقِّح الذكَر أُنْثى البعير.,فلقد جاءَ عَلّوب بالناقة, وأناخَها تحت الشجرة.,وعَقَلَ قَوائمها الأمامية والخلفِية ثُمَّ قادَ إليها جَمَلاً هائجاً.وتكَأْكَأَ حوْلَهُما.بَرَكَ فَوْقَها حَتَّى خُيِّلَ أنَّ ضُلُوع الناقة المسكينة قد تكَسَّرَتْ.,تَرْغِى وتسْتغيث وتتقيَّأ كُتَل الزَبَد المنفوش.أعَاقَ الذَيْلُ المُهِمَّة.,فأمْسَكَ عَلّوب بالذَيْل ورَفَعَهُ إلى أعلى.تَصَدَّعَت البُيُوتُ بالعويل.فخَرَجَ الأطفالُ والنساءُ للفُرْجة.اصْطَفُّوا فى طابور.بين الحين والآخر يضْحك عَلّوب ويُلَوِّح بعصاه فى الهواء.أمَّا النِساءُ فكانت تَلُوح فى نَظَراتِهِنَّ عَفْوِيَّةٌ وعَفْوٌ وعَافِيَةٌ وَمَرَحٌ مَجْهُول .
” شُكْرى”
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..