انتخاباتي 2010: جبانة هايصة

(في مناسبة ما يثور من جدل حول انتخابات 2020 دخولاً توشاً أو مقاطعة توشين أعود إلى ذكرى من مخاطرتي الترشح لرئاسة الجمهورية في 2010. فغير قليل من أصدقائي، ممن ظننت الخلص، عابني لأنني، من ضمن أشياء أخرى، غفلت هم كياشة أن تلك الانتخابات كانت ساحة مفخخة وبانت لى غفلتي حين منعوني من إقامة حفل افتتاح ترشيحي بحلة كوكو. ولكن ربما لم يطرأ لهم أنهم هم من كادوا لي قبل النظام بمصادرة حقي في الترشح بوصاية بليغة نكراء. وظلم ذوي القربي . . . وأكمل الباقي. وكتبت هذه الكلمة في “الأذى والخزي” من مكمنه)

لم أكن أتوقع أن النادرة التي وراء العبارة “جبَّانة هايصة” ستشرطني ضحكاً. وكلما تذكرتها منذ قرأتها في كتاب المرحوم الطيب محمد الطيب “بيت البكا” (من أعماله الكاملة من منشورات مجلة الخرطوم الجديدة”) وأنا أخفي ضحكي في كمي ممن حولي خشية الظنون. ورواها الطيب كالتالي:
أحد المكابرين . . . كان يكذب إذا تحدث في كل أمر. ولما داهمه الموت نٌقل رفاته إلى جبانة بالقاهرة. وتقول القصة إنه بعد أن انصرف المشيعون جاء منكر ونكير، ملكا السؤال وأيقظاه من موته وسألاه عن اسمه ودينه وربه ورسوله. فقال لهم بلهجة الصعايدة المصريين: “دلوكيت جاني هنا ملكين من أملاك السؤال”. فدهش منكر ونكير وقالا له: “لا أحد غيرنا يسأل الموتى”. فرد عليهما: “هادا اللي حصل. جوني قبلكم وقت لهم على كل حاجة”. فصفعه نكير بآلة حديدية ثقيلة فغطس إلى الأرض السابعة ولما خرج استعد له منكر وقال: “مين الجاك أبلِنا؟” فرد الرجل “الغلط مش عليكم. الغلط على أهلي اللي دفنوني في جبانة هايصة ملهاش ضابط ولا رابط. إسالوا زي ما أنتو عايزين وبلاش دوشة”.

أنا أحب لغة الصعايدة ومنطقهم جداً. والفيلم المصري الذي لا يشمل الصعايدة لا يستحق مشاهدتي. حكيت مرة لمجمع أكاديمي عن رجلين من الصعايدة ظلا يقدم واحدهما الآخر لركوب قاطرة. وسبقهما القطر إلى الرحيل وهم ما زالا في يتعازمان الركوب. أحدهم: أهو فات الأطر يا عويس. فقال عويس: يفوت الأطر يا حسنين ولا تفوتش الأصول. وشرط الضحك الأكاديميين وبلَّغتهم نقطتي.
ربما يرجع ولعي بالصعايدة إلى أفلام باكرة شاهدتها لعبد الرحيم بيه كبير الرحيمية وافر الشنب (محمد التابعي) وابنه السمين السيد بدير. وكانا متعتي من الفيلم ما ظلا في الكادر. بل وجدت الطيب نفسه يحسن السمر بنوادر الصعايدة ويزيد عليها نوادر الرشايدة الذين عرفهم من صداقة ربطت أسرته بأسرة منهم بمقرن عطبرة. وكانت نوادره تجارب شخصية معهم لا قول قائل. يحكيها بطريقته الفذة التي يتحكم فيها بصوته علواً وانخفاضاً. وفيه مشابه في الحكي بابن الدامر الآخر البروفسير عبد الله الطيب الذي يفغر فاه لدي الحكي بصورة آسرة.
لا أذكر من نوادر الطيب عن الرشايدة حتى تلك التي أمتعتني عن وصفهم لفم البندقية ب “العفن”. وكذلك يحب الصديق تاج السر الريح نوادر الرشايدة. وحكى لي عن كيف حوّل الرشايدي بيت الأغنية “البعيد الليهو سنة” ل “البعير الليهو سنام” يطرب له خطأ ويشنف به الآذان. أما نادرة الصعيدي التي أذكرها عن الطيب فهي عن واحد منهم هو أبو حسنين عاش بينهم في مقرن عطبرة. قال ابو حسنين للطيب:
-والله يا مقارنة (أهل المقرن) بتحيروني. بتحيروني بالجد كده.
الطيب: ليه يا أبو حسنين؟
أبو حسنين: حد ياخد فراخ زي اللوز لسوق عطبرة يبيعها ويشتري بقروشها الهباب ده. . .
الطيب: هباب أيه يا عمي؟
أبو حسنين: ما هي النشارة دي يا طيب.
الطيب: نشارة أيه واللا أيه!
أبو حسنين: الويكه الناشفه بتاعتكو دي. إيه المخ الزنخ دا يا مقارنة.
أسال نفسي: هل سيضحك القارئ لنادرة الجبانة الهايصة مثل افتتاني بها. ربما لا. ولكن وجدتها مطابقة لحالي يوم ترشحت للانتخابات محسناً الظن بزملائي من الكتاب حسبتهم يعنون بالفعل ما يدعون له من تغيير . . . أو يدَّعون. فما ترشحت حتى كان “الغلط عليهم مش على الإنقاذ”. فقد دفنوني في جبانة هايصة. إسالوا بقى وبلاش دوشة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. من شيم الرجال أن يتحمل المرء مسؤولية قرارته وتبعاتها
    لكن في زمن الكيزان الإسلاميين رأيناهم يلومون أي شخص وأي شيئ حولهم ولا يلومون أنفسهم البتة
    إنت فاكر الإسلاميين ديل إستلطفوك كدا ساي في الله ولله؟

  2. تحياتي دكتور لم أضحك للنكتة لسبب مختلف فاقرب للتقوى وتعظيما لله من الاسلم الابتعاد عن تداول ونشر وقراءة وسماع وتأليف النكات التي تمس مقدس ديني بمختلف اشكاله وفروعه ……الخ مهما كانت دواعي الموقف وجمال النكتة ك نكتة والله من وراء القصد
    كل الحب والتقدير لك ولقرائك وقراء الراكوبة

  3. بروف عبد الله
    كل عام وانت بالف خير.
    انا اكتب باستعمال التلفون فساكتب على مرتين.
    شكرا لاتاحة فرصة اخرى للتعليق على واقعة انتخابات 2010.فقد كنت انا واحدا من منتقدي فكرة ترشحك وقلت لك لو ان الأمور صحيحة فانت احق الناس بان تكون رئيسا لبلدنا ولكن اذكرك بانك اول من نبه بان الحركة الشعبية لا علاقة لها بالديمقراطية وقد كنت وقتها ممن يخطئونك حتى استبنت النصح ضحى الغد واصدقك القول رجعت لمقالك عن الحركة الشعبية فوقت على صوابه.

  4. اتابع
    كنت قد اعتقدت بصواب فكرتك عن الحركة الشعبية. ولهذا كنت ارى ان اي مشاركة في انتخابات شكلية تكرس واقعا مغلوطا. ودونك مرشحهم ياسر عرمان الذي اجبروه بقرار حزبي بالانسحاب من المعركة ليتركوا الباب مفتوحا امام خيارهم الاوحد الانفصال. اما شريكهم في الجريمة فقد كان يعمل جاهدا لكي لايكون هناك مرشحا لم يتحسبوا له

  5. يعنى الغلط على الكتاب ما على الانقاذ …. لسه فى وهمك الكبير دة ما خليتو … اها قوم اترشح تانى زى بلدياتك المنفوخ زى البالونة دة الاسمو عادل عبدالعاطى كمان .. هو دة اصلا قاعد برة السودان ليهو تلاتين سنة وجايى قال ابقى رئيس .. هذا هو المضحك المبكى ذاتو

  6. اتابع 3
    ليس تعديا على حقك في الترشح بروف ولكنه عرفتك دايما تذكر(بتشديد حرف الكاف)بعدم الوثوق في البرجوازية وقبل ايام قمت في احدى مقالاتك بتصنيف الطغمة الحاكمة الان بالبرجوازية.وهو تصنيف لاقى عندي هوى.فقد بلغ عندي انا اكرر انا مقت هذه الطبقة لدرجة تجعلني اقرب للتروتوسكيين لولا تقدمي في العمر.

  7. من شيم الرجال أن يتحمل المرء مسؤولية قرارته وتبعاتها
    لكن في زمن الكيزان الإسلاميين رأيناهم يلومون أي شخص وأي شيئ حولهم ولا يلومون أنفسهم البتة
    إنت فاكر الإسلاميين ديل إستلطفوك كدا ساي في الله ولله؟

  8. تحياتي دكتور لم أضحك للنكتة لسبب مختلف فاقرب للتقوى وتعظيما لله من الاسلم الابتعاد عن تداول ونشر وقراءة وسماع وتأليف النكات التي تمس مقدس ديني بمختلف اشكاله وفروعه ……الخ مهما كانت دواعي الموقف وجمال النكتة ك نكتة والله من وراء القصد
    كل الحب والتقدير لك ولقرائك وقراء الراكوبة

  9. بروف عبد الله
    كل عام وانت بالف خير.
    انا اكتب باستعمال التلفون فساكتب على مرتين.
    شكرا لاتاحة فرصة اخرى للتعليق على واقعة انتخابات 2010.فقد كنت انا واحدا من منتقدي فكرة ترشحك وقلت لك لو ان الأمور صحيحة فانت احق الناس بان تكون رئيسا لبلدنا ولكن اذكرك بانك اول من نبه بان الحركة الشعبية لا علاقة لها بالديمقراطية وقد كنت وقتها ممن يخطئونك حتى استبنت النصح ضحى الغد واصدقك القول رجعت لمقالك عن الحركة الشعبية فوقت على صوابه.

  10. اتابع
    كنت قد اعتقدت بصواب فكرتك عن الحركة الشعبية. ولهذا كنت ارى ان اي مشاركة في انتخابات شكلية تكرس واقعا مغلوطا. ودونك مرشحهم ياسر عرمان الذي اجبروه بقرار حزبي بالانسحاب من المعركة ليتركوا الباب مفتوحا امام خيارهم الاوحد الانفصال. اما شريكهم في الجريمة فقد كان يعمل جاهدا لكي لايكون هناك مرشحا لم يتحسبوا له

  11. يعنى الغلط على الكتاب ما على الانقاذ …. لسه فى وهمك الكبير دة ما خليتو … اها قوم اترشح تانى زى بلدياتك المنفوخ زى البالونة دة الاسمو عادل عبدالعاطى كمان .. هو دة اصلا قاعد برة السودان ليهو تلاتين سنة وجايى قال ابقى رئيس .. هذا هو المضحك المبكى ذاتو

  12. اتابع 3
    ليس تعديا على حقك في الترشح بروف ولكنه عرفتك دايما تذكر(بتشديد حرف الكاف)بعدم الوثوق في البرجوازية وقبل ايام قمت في احدى مقالاتك بتصنيف الطغمة الحاكمة الان بالبرجوازية.وهو تصنيف لاقى عندي هوى.فقد بلغ عندي انا اكرر انا مقت هذه الطبقة لدرجة تجعلني اقرب للتروتوسكيين لولا تقدمي في العمر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..