الرب/الإله و البشر/الإنسان و الطين/التراب 3

وصلا لما إنقطع فى المقالات السابقة نتيجة للجدل حول تباين معنييى الله و الرب يأتى هذا المقال, و لما لمعنى الربوبية من أهمية أرجو أن أضيف هذه المقدمة اللازمة لتلخيص فكرة العرش و السموات السبع الماورائية التى تم شرحها آنفا ,قال تعالى:-
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ ((أَمْرَهَا ۚ ))وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)فصلت
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ((الْأَمْر))ُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)الطلاق.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ ((الْأَمْرَ ۖ ))مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)يونس.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ ((بِأَمْرِهِ ۗ ))أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَ((الْأَمْرُ ۗ ))تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف
بالنظر للآيات أعلاه لا أعتقد أن هناك حوجة لشرح إضافى لفكرة العرش الذى يدبر شؤون عالم الملك و قد أوضحت ألآيات أن الله بعد تسوية السبع أرضين سوى السبع سموات ثم أوحى لكل سماء أمرها بأن تتخصص فى شأن , ثم إستوى على العرش يدبر الاوامر الحادثة بحسب مشيئته .
من يعتقد بأن السموات السبع مادية و أن العرش المشار إليه فى القرآن هو عرش الله المنزه الذى ليس كمثله شئ فعليه أن يراجع نفسه فهذا قد يقودنا إلى تجسيد الله ,الرسالة الخاتمة هى الوحيدة التى نزهت الله سبحانه و تعالى ,تأمل هتين الآيتين أخى القارئ:

وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)الحاقة
لا حظ عزيزى القارئ (عرش ربك) , الله سبحانه لا يحده عرش و لا مكان و لا زمان.
الإعتقاد بأن عرش الربوبية هو عرش الألوهية و أن الإله يحده العرش أدى لكثير من البلبلة فى صفوف السلف و أهل العقيدة فقد ثبت التالى لدى أهل العلم الشرعى فى نزول المولى تبارك وتعالى:-
أنه ينزل في ليلة عرفة، وثبت أنه ينزل ويدنو في النصف من شعبان، وليس هذا يعني أننا نخص ليله بقيام ونهاره بصيام، ولكن المولى تبارك وتعالى ينزل في ليلة النصف من شعبان؛ ليغفر لعباده الصالحين، وينزل تبارك وتعالى في كل ليلة من الليالي إذا بقي ثلث الليل الآخر، فينادي في عباده: (أنا الملك. هل من داع فأجيبه؟ هل من مريض فأعافيه؟ هل من مستغيث فأغيثه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر) أي: حتى يظهر الصبح. ينادي المولى تبارك وتعالى ويتودد ويتحنن إلى عباده في هذا الوقت، وهو وقت إجابة الدعوة كما أجمع على ذلك أهل العلم، لكن القضية الآن: هل نزول الله تبارك وتعالى ثابت أم لا؟ والسؤال الثاني: إذا كان ثابتاً بالأدلة فكيف ينزل؟
أما الإمام مالك عندما عرض عليه سؤال الرحمن على العرش إستوى أجاب (الإستواء معلوم و الكيف مجهول)
و فقيه آخر سئل ؟ كيف تؤمن بإله ينزل ويطلع؟ قال أؤمن بإله يفعل ما يشاء.
على العموم حضارتنا الأرضية مبنية فى الاساس على تعرفنا على مبدأ الربوبية و ما تفوق علينا الغرب إلا بتفننه فى طرق القياس و التحليل و إستنباط القوانين و إنزالها على أرض الواقع,فى الحقيقة هذا المبدأ اصلا لا يحتاج لقرآن, يعرفه حتى راعى الضأن فى الخلاء.
لكى يكون هذا المبدأ عاما فى القرآن وجب تطبيقه على كل آية و قد أشار أحد القراء إلى إحدى الآيات الى ظن أنها لا تنطبق:
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا(19) مريم
حقيقة هذا من قبيل الاعجاز القرآنى من عالم الغيب , نعم الحمل من غير ذكر فى ذلك الحين هو أمر خارق للعادة و لكنه ليس كذلك فى زماننا هذا الذى اكتشف فيه الاستنساخ و طبق!!!
و مثلها:
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ(143) الاعراف.
اذا تمعنا فى أمر الجبل ,هناك أشياء كثيرة فى الماضى و الحاضر تدك الجبال منها الصواعق و الزلازل و البراكين و الديناميت و القنابل الذرية..لكى نلحظ الفرق بين مبدأى الربوبية و الالوهية فى الآيات يجب أن يكون التباين واضحا,أى شئ لا يمكن لغير الله فعله بأى وسيلة من الوسائل.
الآية الوحيدة التى دلت على رؤية السموات السبع هى التالية:
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)نوح
حقيقة هذه الآية و الآيات المرتبطة بها تدلنا على عدة أشياء أن قوم نوح كانوا أصحاب حضارة إكتشفت التعدين و النجارة و إستئناس الحيوان و النبات و التقويم و أشياء أخرى سأعالجها فى مقال قادم, و تدلنا على أن أرض ما بين النهرين إستقبلت علوما غيبية (قصة الملكين) , أما (ألم تروا) الواردة فى الآية أعلاه فلا تدل على النظر بالعين المجردة و إلا لكان من الاوفق أن تقول الآية (ألا تروا), و مثلها فى سورة الفيل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) الشاهد أن حادثة الفيل وقعت قبل ميلاد الرسول بإحدى و خمسين يوما.
قوم نوح كانوا متطورين روحيا ووسطهم صالحين كثر و مدعومين برسل من الملائكة ساعدوهم فى أمور دينهم و دنياهم و قد علموا بتفصيل خلق السموات الماورائية,الانسان فى ذلك العصر و إلى أمد قريب لا يعرف من الكون إلا ما يحيط بالارض من شمس و قمر و الكواكب و بعض النجوم الكبيرة.

صلاح فيصل
[email][email protected][/email]