أخبار السودان

السودان: الطريق الى الأمام

د. أمير إدريس
بروفيسر ورئيس قسم الدراسات الأفريقية والأمريكية
جامعة فوردهام- نيويورك

تثير ورقة الدكتور الواثق كمير الموسومة “تفكك الدولة السودانية: السيناريو الأكثر ترجيحا”، التى نشرت مؤخرا بصحيفة سودانتربيون الإلكترونية (باللغة الإنجليزية) فى 10 فبراير 2013، أسئلة محرضة على التفكير وفى الوقت المناسب جدا. والواقع، أن المقال يفتح الباب للنقاش والحوار العميق حول مستحقات ومتطلبات الإصلاح السياسي، لا سيما في بلد منقسم على نفسه مثل السودان. وتهدف مقالتى القصيرة هذه إلى إضافة مساهمة متواضعة لهذا الحوار.

في السنوات الأخيرة، قامت القوى المدنية والسياسية، وكذلك الأفراد، بتقديم مساهمات فكرية مقدرة لإثراء النقاش والحوار حول مستقبل البلاد من خلال البحث عن مشروع سياسي شامل يخاطب تطلعات كل السودانيين. ومع ذلك، للأسف، فقد تم تهميش آراء ووجهات نظر هذه القوى وتجاهلها تماما من قبل القوى السياسية المهيمنة. وبذلك، تم إختطاف الحوار السياسى العام بشكل رئيسي من قبل معسكرين سياسيين، أولهما: أولئك الذين يدعمون الحركات الاحتجاجية المسلحة ? وهؤلاء يعرفون أنفسهم بأنهم ليسوا بـــ”عرب”، “علمانيين” و”ديمقراطيين”، وثانيهما: أولئك الذين يدعمون الحكومة الحالية – ويعرفون أنفسهم على أنهم مدافعون عن الإسلام والثقافة العربية. ويستدعى مناصرو كلا المعسكرين إنتماءآتهم الإثنية والدينية والإقليمية لصالح تحقيق مصالحهم وتضخيم مكاسبهم السياسية والاقتصادية. وفى سياق هذا التجاذب، أضحت المشاعر “القومية”، المطبوعة بالإثنية والدين، بمثابة القوة الدافعة للجدل السياسى العام الدائر حاليا حول مستقبل السودان. وفى ظل هذا الإستقطاب السياسى الحاد، فإنه من الصعوبة بمكان لأى محادثات سلام التوصل إلى مساومة سياسية أو إنتقال سلمى للسلطة، خاصة مع تنامى تيار “القوميين” المتشددين وسط كلا طرفى الصراع.

ومع ذلك، فإن مسؤولية البحث عن السلام والإستقرار السياسى فى السودان تقع على كاهل الشعب السودانى إن أردنا أن يكون للسلام والتنمية جذور عميقة فى البلاد. ليس هناك شك في أن المواجهات العسكرية الجارية بين الحكومة المركزية في الخرطوم ومختلف الحركات الاحتجاجية الإقليمية تناقض مع تحقيق السلام والتنمية. وعلى خلفية هذا الإستقطاب، يقتضى التوصل إلى توافق سياسي أو تسوية سلمية وسط أو بين الأطراف السياسية الفاعلة إعادة النظر في الهوية والمواطنة بما يتجاوز منظور مجموعة ما إلى مفهوم الوطنية الشاملة. ويدلل التاريخ السياسى لكثير من الدول الأفريقية فى مرحلة ما بعد الاستعمار على أن المواطنة يمكن أن تكون ضارة لعمليات التطور الاجتماعى والسياسى لأى مجتمع سياسي عندما تتم صياغتها وفق شروط ضيقة وحصرية لمجموعة معينة فى هذا المجتمع. كما أنها أيضا تعوق عملية بناء الهوية الوطنية وتضعف ولاء الفرد للدولة.

إن الطريق إلى الأمام بالنسبة للسودان يتطلب إنفاذ حزمتين من الإصلاحات السياسية. أولا: لابد من تبنى الديمقراطية كنظام شامل للحكم. وبالرغم من كل نقاط ضعفها، فإن الديمقراطية أداة صالحة يمكن من خلالها ترجمة بعض القيم والمبادئ، التى ينطوى عليها مفهوم المواطنة، إلى واقع ملموس. وعلى سبيل المثال، فإن المبادىء والقواعد المنظمة، كالإنتخابات وحق التنظيم والتعبير والمشاركة السياسية، يمكن أن توفر الأساس للتعبير عن المواطنة فى شكلها الموضوعى والحقيقى. ومع ذلك، فلكى تصبح الديمقراطية مشروعا سياسيا ناجحا، يجب أن يتم الإصلاح السياسي فى سياق عملية شاملة لمقرطة جميع هياكل الدولة ومؤسسات الدولة. وعلى سبيل المثال، فإنه ينبغي لعملية الإصلاح السياسي أن تتجاوز الفجوة بين الريف والحضر، وبين المركز والإقاليم، وثنائية الولاية والمحليات. وإذا تم إنجاز عملية الإصلاح السياسي بنجاح، فإن ذلك من شأنه زراعة ثقافة جديدة للمواطنة من القاعدة إلى القمة، مدعومة بإصلاح فعال للمؤسسات الرسمية وتوسيع مواعين الممارسات الديمقراطية والقيم المصاحبة لها على صعيدى المجتمع والدولة.

ثانيا: يتمثل الوجه الآخر لإصلاح السياسات فى معالجة الجانب المعيارى (normative) للمواطنة، والتى قد لا يضمنها مجرد قيام نظام ديمقراطى للحكم. فمن الذى يتأهل ليكون مواطنا سودانيا ومن هو غير المؤهل؟ وكيف يتم ترسيخ الهوية الوطنية فى مجتمع متعدد الإثنيات والديانات، وكيف يمكن للدولة أن تجذب وتحتفظ بولاء المواطن، كلها أسئلة مشروعة وصحيحة، والتى رغما عن أنها تتصل بالنظام الديمقراطى،إلا أنها أيضا تتجاوزه. لاشك، أن لهذه الأسئلة تأثير على كيفية تعريف وتشكيل الدولة، وعلى كيف تضمن سياسات الدولة التأثير على الحياة اليومية للمواطنين بأسلوب منصف، وبطريقة لا تحض الجماعات والهويات الفرعية على الطعن في شرعية الدولة في المجتمع.

وقد كشفت أحداث العنف السياسى المتلاحقة في السودان النقاب عن الذكريات المدفونة والتوترات المجتمعية المتجذرة فى الماضي ليتم إستدعائها في الوقت الحاضر. فيبدو وكأنما موت ماضى السودان المتسم بالعنف والإضطراب لا يزال يشكل حضورا قويا فى سياسة الأحياء. ولا شك، أن السودان ظل يعانى من حروب أهلية متعددة على مدى العقود العديدة الماضية. فقد فقد أكثر من مليونى شخص حياتهم في الحروب الأهلية بين الشمال والجنوب، كما قتل مئات الآلاف في دارفور، إضافة للآلاف من الضحايا في الصراع الدائر في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقد طالبت مختلف الهيئات الوطنية والإقليمية والدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، بالعدالة للضحايا.

أثار الحوار والنقاش حول العدالة بعد الحروب الأهلية في أفريقيا تساؤلات حول التقاطعات بين العدل والسياسة والسلام. وقد تبلورت فى سياق هذا الجدال حول العدالة مدرستان لكل منهما موقف ووجهة نظر. تدعو المدرسة الأولى لتطبيق العدالة الجنائية، وذلك بمحاسبة ومعاقبة مرتكبى الجرائم. أما المدرسة الثانية فتؤكد على أهمية التسامح فى مقابل أن لا يتم نسيان هذه الجرائم. ويعنى التسامح أنه لن يكون هناك عقاب طالما أن الخطأ قد تم التسليم والإعنراف به. وبعبارة أخرى، يتم تبادل الإفلات من العقاب بالإفصاح عن الحقيقة، مع الدعوة إلى الإصلاح الهيكلي باعتباره أولوية على معاقبة الأفراد. وهكذا، تهتم المدرسة الأولى بمظالم الماضي، بينما تشدد المدرسة الثانية على كيفية تشكيل مستقبل يشمل الجميع بعد نهاية النزاع. وبمعنى آخر، يركز الرأى الأول على الأموات، فى حين يعطى الرأى الثانى الأولوية للأحياء.

ومع ذلك، ينطوى مفهوم التسامح السياسى على العدالة الجزائية والتصالحية، على حد سواء. فمن السهل أن نرى أن هناك حاجة لتحقيق العدالة التصالحية لأنه من السهل أن يغفر الناس عندما يتم الإعتراف بالجريمة وتدفع التعويضات، ولكن من المهم أيضا تطبيق العدالة الجزائية لأنها تخاطب المشاعر الإنسانية الدافعة للإستياء والكراهية، والتي يمكن تهدئتها بإنفاذ المساءلة القانونية أو الإجتماعية على الأشخاص المدانين بإرتكاب الجريمة. ولكن، التوصل للتوازن الصحيح يظل أمرا حيويا لضمان نجاح التسامح السياسى والتسوية التاريخية. ولذلك في حالة السودان، فإن التشديد المفرط على العدالة الجزائية يمكن أن يؤدي إلى الانتقام والثأر، ومن ثم الفشل في التوصل إلى تسوية سياسية. فالعدالة الجزائية تحتاج أن تكون عملا أكثر رمزية من الفعل القانونى. ويمكن أن يكون هناك نوعين من المصالحة، الأول بين الضحايا والجناة، والثانى بين الناجين من النزاع، والذين يجب أن يشكلوا سويا مستقبلا مشتركا. واحد من أهم دروس لجنة المصالحة والحقيقة فى جنوب أفريقيا هو مخاطبتها ومعالجتها لكلا الطرفين المشتركين فى العنف، إذ لم يتم عزل عنف الأفريكان عن أعمال العنف التى ارتكبها السود بجنوب أفريقيا. وبالتالى، كان البيض والسود معا هم الضحايا والجناة على حد سواء، مما مهد الطريق إلى النظر لكلاهما كناجين من دوامة العنف فى الماضى.
ولذلك، فإن تعبيد الطريق إلى الأمام بالنسبة للسودان لا يمكن أن يتم إلا بالبناء على المستقبل، وليس الماضى. إن البحث عن المواطنة الشاملة في السودان يتطلب إصلاحا هيكليا، بما في ذلك الإصلاح السياسى والذى لا يشمل الضحايا فحسب، ولكن أيضا مرتكبي العنف أنفسهم. إن السعى لتحقيق العدالة الجنائية قد يغلق ملف ضحايا عنف الدولة وتشكيلاتها المسلحة، ولكنه يستبعد ويحرم آخرين من أن يكونوا جزءا من الإصلاح السياسى الشامل. وبعبارة أخرى، فإن المواطنة الشاملة تنطوى فى جوهرها على حقوق الباقين على قيد الحياة فى أعقاب ممارسات العنف السياسى.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (وهؤلاء يعرفون أنفسهم بأنهم ليسوا بـــ”عرب”، “علمانيين” و”ديمقراطيين”، وثانيهما: أولئك الذين يدعمون الحكومة الحالية – ويعرفون أنفسهم على أنهم مدافعون عن الإسلام والثقافة العربية. ويستدعى مناصرو كلا المعسكرين إنتماءآتهم الإثنية والدينية والإقليمية لصالح تحقيق مصالحهم وتضخيم مكاسبهم )للاسف فان( الاعراب) اهل الاسم ( يتبسمون) استهزاء وينقضون رؤوسهم للطرفين وفي سرهم ينعتون الطرفين (بالفروخ المخابيل) او ( الخال) بالله اصحوا من الاحلام ولا يعيبني ان اقول ( انا سوداني) وهو الصحيح من القول بفعل الزمان والمكان والتاريخ الضارب في الجذور بالتلاقح وسلاسة دخول العرب والاسلام منذ عهد اتفاقية ( البقط)—- وبالعديل كلنا عند الجماعة ( شوية عبيد)!

  2. الحساب ثم الحساب ثم الحساب

    العدل ثم العدل ثم العدل

    المجرم يجب أن يعاقب
    القاتل يجب أن يقتل

    الشعب يريد محاكمة عادلة للمتهمين في قتل الشعب السوداني ,وكذلك الحرمية الذين نهبوا أمواله .

    نحن لا نحقد علي زيد أو عبيد لكن الذين قتلوا ونهبوا وفسدوا وأفسدوا البلاد يجب أن يعاقبوا ولو كانوا أقرب الناس الي .

    أيوجد في السودان شخص أشرف من السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ طبعا لا .

    أيوجد شخص في السودان يفهم معني العدالة وعقاب المجرم وفوائدهما أكتر من حبيبنا ونبينا ومنقذنا من الضلالة محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم ؟ طبعا لا .

    كفي الأسلام في العدل ومحاربة المحسوبية حديث رسولنا صلي الله عليه وسلم لزيد عندما حاول أن يتشفع للمراءة المخزومية بنت الأشراف ( فاطمة ) اللتي سرقت , أتشفع في حد من حدود الله يا زيد والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها .

    هل تريد يا بروف أن تشفع لعمر البشكير وعلي عثمان وزمرتهم الذين قتلوا أبننا البار مجدي محجوب وأبناؤنا في كجبار والالاف من أهلنا في دارفور وجبال النوبة والأنقسنا وسرفوا ونهبوا وحرقوا أي شئ جميل في بلدى .

    لا ولا والف لا يا بروف .

    أن كان البشكير أخذ أخوك أو قريب لك أو قل جار لك من منزله كما يأخذ الكبش من الزريبة وأتي به اليوم الثاني وهو مزبوح فهل كنت ترضي ؟؟؟ هذا ما فعله البشكير وزمرته المجرمة علي أبننا مجدي محجوب وكثير من أبناؤنا الشرفاء في السودان .

    يا بروف أحترموا الناس شوية وقدروا مشاعر الناس .

    نحن لا نريد أن نظلم بريئا ولكن نريد أشد العقاب للمجرمين والمفسدين .

  3. يا خونا البروف مشكور, مشكله جنوب افريقيا لا تشبه السودان, في جنوب افريقيا لم يستخدم الدين في قتل الناس! والمستعمرين البيض (انجليز وهولنديين) ليسو من سكان البلد, هم مستعمرين اعتبرو انفسهم اصحاب البلد, فمشكلتهم كانت سياسيه والمجتمع الدولي ضغط وساهم بشده في التفاوض والحل,…والحل هو النضال المسلح ضد طاغوت بني كوز او حل سلمي يتم تفكيك النظام وارجاع الامر للشعب السوداني مع تطبيق القانون وعدم الافلات من الجزاء لاي كائن كان.

  4. من هم العرب هل السعوديين والامارتيين والكويتين ام انا وانت يا خوي ؟

    يفضل ان نقبل انفسنا كسودانيين لان العرب الحقيقيين عندهم راي فينا

  5. الحل فى الإطاحة بهذا النظام وشحن البشير وقائمة ال 51 إلى لاهاى،،، أنظروا إلى لايبريا،، تم تسليم وليم دو إلى المحكمة الجنائية فعم الشعور بالرضاء فى تلك الدولة وعمّ السلام وإتجهت كل قطاعات الشعب نحو البناء والتعمير وتم إجراء دورتين إنتخابيتين ناجحتين لرئاسة الجمهورية والمؤسسات الدستورية ونالت رئيسة الدولة جائزة نوبل للسلام،،، فكونا من حجوات العدالة الإنتقالية والتنظيرات الأكاديمية،،، هؤلاء المؤتمرجية لا ينفع معهم إلا الإزالة الشاملة من الحياة السياسية حتى تستقيم عود الدولة،،،

  6. حقيقةً لم أيأس من الديمقراطية وآليات عملها البطيئة، وكذلك أنا سعيد بما يحدث بمصر من حركات إحتجاج مستمرة والتي تعني بالأساس أن كل مواطن أيقن بأنه صاحب الحق والرأي في بلده، وأنه له موقف من كل ما يجري كبيره وصغيره، ولكن قرائتي للراهن تخبرني أمراً واحداً، أن حكم الإنقاذ الأن ليس أكثر قوة من عصا سليمان التي أكلها النمل الأبيض( الأرضة)، لذلك أقول للجميع أن كل نضالاتكم الآن قد أثمرت، ونحناج الآن الي دفعة بسيطة من النمل الأبيض، وأتنمي وأدعو الله صادقاً ، أن يكون إتقلاباً تنفذه القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ضد هؤلاْ الخونة العملاء، الهم آمين، ويا جيشنا أصبح الأمر بأيديكم، ولا أعدد الأسباب فكلنا يعرفها

  7. الاطفال في الصورة ديل في واحد ممكن ابقى مهندس وواحدة تبقى مديرة شركة وواحدة تبقى صحفية تحريات وواحد العب لينا في كاس العالم محتاجين بس شوية اساسيات بسيطة زي الغذاء والماوى والكهرباء والموية النضيفة والتعليم والعلاج حاجات اقل من اساسية وبقت متوفرة للبشر في اغلب الكرة الارضية نحن في 2013 ولسا الشعب السوداني كل يوم يزيد عليهو الفقر والتخلف والمرض والهم والخوف بسبب الكيزان

  8. الشهيد المرحوم دكتور على فضل عندما كان فى بيوت الاشباح تحت مباركة هيئة علماء السودان .. وعندما كان نافع مدير لجهاز الامن قام بنفسه ب ( دق ) مسمار خشب مصدى فى جمجمة الدكتور على فضل رحمه الله .. عايزنا نقول لنافع عفا الله عما سلف سامحناك ؟ ان زاتى دق لى مسمار مصدى فى دماغى عشان اقبل كلامك ده ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..