الموت نقاد و الناس في كفه جواهر يختار فيها الجياد.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله و الصلاة و السلام على من قيل ، إنك ميت و إنهم ميتون.
قال تعالى “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ” صدق الله العظيم.
ما كنت أتمنى أن أكتب راثياً للفقيد الجليل، السيد إسماعيل عبدالله الفاضل، إذ أن ذلك أمراً عصياً على النفس و صعباً على المداد، و أنا لا أدري من أي الجوانب آتيه، و هنا يقع مأزق الكلمات و ورطة التعبير، حيث يتسع الحزن و يعجز البيان، فأنا أمام شخص مشمول بكثير من عظم السجايا و كريم الخصال.
الفقيد عرفناه أخاً يُثَقْ به، و صديق يُعتمد عليه، و رفيق دربِ في منعرجات الحياة و دروبها بحلوها و مرها، و هو ذلك السوداني الأصيل بأدق ما تحمل الكلمة من معني.
أحبه أهله لبره لهم، و أحبه أصدقاؤه لوفائه لهم، و أحبه معارفه لتواصله معهم.
أحبوه لجميل خلقه و طيب معشره و لطفه و لطيفه.
فأسماعيل رجل مجتمع عريض المعرفة بالناس يشاركهم لحظاتهم كلها، يضحك لهم و يبكي معهم.
إذا ما جئته يتلقاك هاشاً باشاً تعلوه إبتسامة مشرقة تسبقه من وجه طلق متهلل صبوح، فداره رحبة و مجلسه عامر و جديثه عذب وأُنسه جميل و مظهره أنيق و ملبسه جميل، و لا غرو في ذلك، فهو سليل تلك الأسرة العريقة و البيت الكريم الذي أنجب أعلاماً في تاريخ السودان، و هو حفيد الإمام المهدي و قد تشرب بقيم المهدية و تعاليمها، فإنعكست عليه تجرداً و نكران ذات، و مجاهدة و سعياً في خدمة الدين و الأهل و الوطن، فأضحى بذلك رقماً لا يُستهان به، ذو جضور فاعلاً و مؤثراً في محيطه.
زرته في القاهرة و شاهدت كيف كانت داره تعج بالأخوة السودانيين، منهم الزآئر السآئح و المُستشفِي و طالب العلم، فكان خيراً و نعم العون لهم، ذلك مما له من صلات واسعة على أعلى المستويات في الوسط المصري حيث تلقى طرفاً من تعليمه هناك، و إنيشخصياً مُدين له بموقفه نحوي حين كنت مُستشفياً بالقاهرة في العام الماضي، كان متابعاً لحالتي لحظة بلحظة، مما كان له أطيب الأثر في نفسي.
قمت بزيارته قبل وفاته بإسبوعين، و برغم حرارة إستقباله لنا، إلا أنني كنت أحس بوطأة الألم عليه، و كان هو يُغالب تلك الأوجاع بصبر الرجال و عزيمة المؤمنين، إلى أن نُقِل إلى مستشفى آسيا حيث أمضى أسبوعاً في حالة حرِجة، حتى فاجأني الأخ نصرالدين الهادي برحيله، كانت تلك صدمة عنيفة أدمت القلوب، فذهب مبكياً عليه و على فضآئله و محاسنه و مكارم أخلاقه.
سيفتقده أهل ودنوباوي و مجتمع العاصمة و هيئة شئون الأنصار، و سيظل مكانه شاغراً يحكي عن عظمة فقده، و ستبقى ذكراه عالقة في وجدان أحبابه، كما ستبقى أيامه الخالدة غُرةً في جبين الزمان، ما لاح أو بدر فجر بالضياء.
ومَا المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يحورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هُوَ ساطِعُ
ومَا المالُ والأهْلُونَ إلاَّ وَديعَة وَلابُدَّ يَوْماً أنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ
رزء عظيم و خطب جلل و فقد لا يُعوض، و لكننا لا نقول إلا مايرضي الله، إنا لله و إنا إليه راجعون، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
اللهم إنه أتى إليك يحمل زاداُ من البِرِ و التقوى فتقبله القبول الحسن، و أكرم مثواه، و أجعل مرقده في أعلى الجنان مع الصديقين والصالحين والشهداء.
اللهم إن كان مُحسناً فزد في إحسانه، و إن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده.
عزاء حار لرفيقة دربه وأبنائه و بناته وأخوانه وأخواته و لنصرالدين الهادي وأهله و أصدقائه، و نسأل المولى عز وجل أن يتولانا جميعاً برحمته و مغفرته.
حسن تاج السر علي
—