ليس بالقانون وحده

أول أمس وفي هذه المساحة كتبت تحت عنوان ..المتورطون في نهب ثروات البلاد.. أشرت إلى كميات الذهب التي تتسرب خارج البلاد عن طريق التهريب دون أن يجد المهربون العقاب وفق قانون رادع .
أمس ولدى معايدة لمنسوبي وزارته قال محمد أحمد علي إن وزارة المعادن ستتصدى بشدة لكل من يهربون الذهب والذين يخفون الأرقام الحقيقية للإنتاج ،وأضاف الوزير ..أن المعلومات تشير إلى وجود تهريب..
بالنظر لتصريح وزير المعادن فلا جديد يذكر في هذه المعلومات فراعي الضأن في الخلاء يعلم أن ذهب السودان يتعرض لعمليات تهريب ونهب منظم من قبل مافيا وجهات وأفراد، كل حسب قدراته فمنهم من يقوم بعمليات تهريب بالجرام، ومنهم من يهرب بالكيلو جرام أو الطن.
الذهب المهرب أفقد البلاد مليارات الدولارات، ولولا عمليات الفساد في هذا القطاع لكانت بلادنا تعيش في استقرار اقتصادي ولم تكن في حاجة إلى إغاثات ولا منح ومعونات ولا لجري وزير المالية للحصول على تمويل بالصح والكذب.
أما بالنسبة للذين يخفون المعلومات حول حقيقة أرقام الإنتاج فهم كثر منهم جهات رسمية تبدأ من وزارته المعادن مروراً بالمالية والبنك المركزي ثم شركات إنتاج الذهب التي تفتقر إلى الضبط والمتابعة من قبل الجهات الرسمية. لكن من العيب أن تشتكي وزارة المعادن نفسها من وجود كميات منتجة من الذهب خارج الملفات الرسمية..وإذا كانت وزارة المعادن نفسها تعلم أن هناك جهات تخفي أرقام إنتاجها دون أن تعاقب فما الداعي لجيوش جرارة من الموظفين يتبعون لها.
العام الماضي كانت وزارة العدل قد دفعت بمشروع قانون جديد لمعاقبة مهربي الذهب. لكنه للأسف قانون لن يقود إلى محاربة الظاهرة لأنه أقر عقوبة 10 سنوات فقط .كما أنه فات على المشرع أن من يتم ضبطهم لا يعلمون حتى الجهات التي يعملون لصالحها في معظم الحالات .
المهربون يبتدعون في كل مرة طرق تختلف عن سابقتها في حيل تسفير الذهب خارج البلاد، ويغيرون في الأشخاص خاصة النساء حتى لا يلفت سفرهم المتكرر الجهات المختصة، وعليه فإن إحكام الرقابة يحتاج إلى آليات أخرى وليس للقانون وإيقاع العقاب فقط .
المهم قبل ذلك إقرار سياسات تشجيعية لشراء الذهب من البنك المركزي إذ ليس من المعقول أن يذهب المعدن بنفسه لتسليم حصيلة التنقيب إلى الحكومة بالسعر الرسمي فيما يمكنه أن يستلم ما يقارب ضعف المبلغ لتجار يوجدون في نفس مواقع التعدين .
لكن الأهم أن تعيد الحكومة هيكلة قطاع التعدين بكامله خاصة التعدين الأهلي وفق ضوابط محددة، وأن تتوقف عن التهافت نحو الشركات الأجنبية للتنقيب واستخراج الذهب والاتعاظ بما حدث من نهب من سيبريا الروسية والشركة الصينية التي هربت وتركت آلياتها في الموقع.
إذا استمر الوضع على ماهو عليه فإن الأجيال القادمة لن تجد مورداً واحداً في هذه البلاد.