ﻟﻬﺬﺍ السبب تتجه الأنظار الي كير ومشار!

بالنسبة لمستوى التدويل الذي وصلت اليه قضية جنوب السودان، فانه مستوى يمكن ان يوصف بالطبيعي لأي قضية مختزلة بين شخصين،، الرئيس كير من جانب والمتمرد ريك مشار من الجانب الاخر، وبات من الواضح ان الخلاف الذي كان في اروقة الحركة الشعبية لم يك هو الخلاف نفسه بين سلفاكير وريك مشار عندما كان الحديث يتوقف على الاصلاحات المأمولة في مؤسسة الحزب الحاكم فنشبت الحرب وظهرت خلافات جديدة بين الرجلين خاصة بعد التوقيع على اتفاقية أغسطس لعام 2015م إنتهت بحرب شديدة الخطورة في أقل من أربعة أشهر من عودة مشار الى جوبا عام 2016.

الرئيس كير قال بلسان حاله بعد هروب مشار من جوبا وتولي تعبان دينق قاي منصب النائب الاول عن الحركة الشعبية في المعارضة،، قال انه لا يرغب ان يعمل سويا مع ريك مشار بعد تلك الاحداث ،وهو بذلك يفضل ان يعود ريك مشار كمواطن جنوب سوداني الى البلاد عوضا عن كونه زعيما لحركة التمرد ونائب أول للرئيس بحسب الاتفاق الذي وقعت عليه كل الاطراف المتورطة في الحرب، فهذه النقطة تحديدا مثلت ولا تزال تمثل نقطة ضعف لأية توافق مستقبلي بين سلفاكير ومشار ويستحيل في هذه الحالة الرهان على أي من مخرجات الاجتماع بين الشخصين بالنظر الى حالتهما النفسية والتصريحات المسجلة عن إنطباع كل منهما ضد الاخر.

زعيم المتمردين ريك مشار بدوره لم يكن افضل حالا من سلفاكير لانه قال في مؤتمر صحفي له بالخرطوم عقب خروجه من المستشفى بانه لم يكن يعلم بان هناك مخطط لاغتياله في المكتب الرئاسي وهو بذلك يشير الى أنه لن يشعر بمأمن وهو بقرب الرئيس سلفاكير، وسبق ان قال صراحة ان حل مشكلة جنوب السودان تتطلب تنحي سلفاكير عن السلطة وهو موقف مطابق لموقف سلفاكير تماما عن عدم رغبته في العمل جنبا الي جنب مع ريك مشار.

بين تلك المواقف المتباعدة بين كير ومشار، هناك نقطة أهم لا ينبغي تجاهلها وهي ان مستقبل جنوب السودان سيظل معرض للخطر بناءا على شكل العلاقة المعقدة بين سلفاكير وريك مشار وهي نقطة لابد ان يفهمها كل من الرئيس سلفاكير وقائد المتمردين ريك مشار ويجب ان ينعكس هذا الفهم في صورة مناقشة الازمة السياسية الراهنة بعقل مفتوح بعيدا عن الإسقاطات النفسية والمواقف الشخصية، فالاتفاق السياسي لحل أي مشكلة سياسية في الدولة ليست هزيمة للحكومة او لشخص باي حال، انما تعد مكسب وإرث يوضح مستوى النضوج السياسي والوطني لدي الخصوم وإن لم يكن كذلك لما أمسك الراحل جون قرنق يد الرئيس البشير واعلن عن طي صفحة الحرب التي دامت واحد وعشرين عاما.

بذات المقدار، يتوهم كثيرون من انصار التمرد ان الحرب والقتال كفيلة ابن تزيح الحكومة وتطيح بالرئيس سلفاكير متناسين بذلك التجربة السورية القريبة والكونغولية وأفريقيا الوسطى، بل التجربة السودانية التي إستنسختها الحركة الشعبية شكلا ومضمونا وفي هذا الشق نود ان نذكر اطراف الصراع خاصة المتمردين ان مقتل معمر القذافي انتج ثلاث دول متحاربة ومناطق نفوذ متشرزمة في ليبيا وكذلك تحولت اليمن بعد مقتل علي عبد الله صالح الي منطقة صراع للنفوذ بين المعسكر الايراني من جهة والسعودي من جهة اخرى كما تؤكد المؤشرات يوميا ان سورية تتحول الي دويلات تحكمها موسكو وطهران من ناحية واخرى تسيطر عليها واشنطن واسطنبول من ناحية اخرى بسبب محاولات طرد بشار الاسد من السلطة.

في خضم هذه المعطيات، نستطيع ان نقول ان الازمة السياسية والامنية في جنوب السودان تتحول رويدا رويدا من جزورها الاصلاحية الي منصة الكراهية والحلول بيد سلفاكير وريك مشار للاتفاق علي العمل سويا وتحديد مستقبل جديد بروح جديدة لجنوب السودان وذلك يتطلب السمو فوق الخلافات بروح المسؤولية مثلما حدث بين كينياتا واودينغا، او كتلك التي حدثت في أثيوبيا عندما تنحي رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي ديسالين لصالح آبي احمد وما أعقبه من انفراج بين قادة جبهة الارومو وقادة الجبهة الوطنية الاثيوبية لتنتهي بفتح ابواب الحوار بين اثيوبيا وارتريا بعد اكثر من ثلاثين عاما وباستطاعة سلفاكير وريك مشار الاستفادة من دروس دول الجوار لإنهاء هذا الصراع.

في الحقيقة اذا لم يحدث اختراق في التفاوض بين كير ومشار في اديس ابابا فانه من المتوقع ان تزداد الاوضاع سؤا بين الحكومة والمتمردين، فقد فرض مجلس الامن عقوبات على القادة العسكريين في حركة التمرد وضباط كبار بالجيش الحكومي وامتد الامر الي رموز في حكومة سلفاكير مثل رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع وكذلك وزير الاعلام واذا فشلت المحادثات هذه المرة فان الاسؤا هو القادم لا محال خاصة ان مجلس الامن امهل الرئيس سلفاكير وريك مشار الثلاثين من هذا يونيو كفرصة اخيرة لهما لاحلال السلام او مواجهة العقوبات وهذا الخيار الاخير بالطبع غير محمود العواقب ويمهد لخيارات اخرى مفتوحة مع المجتمع الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..