تقرير التنمية 2-2 (تنبيه الغافلين)!

تقرير (مصفوفة الرفاهية) الذي تناولناه بالأمس وضع السودان في ترتيب متأخر على قائمة التنمية الاقتصاية والإجتماعية هو (ثالث الطيش دولياً)! وجماعتنا يغالون حتى البارحة في إمتداح إدارة بنك السودان وحسن تدبيرها وإخلاصها ومهارتها ومحاصرتها لحصيلة الصادر! مع أنهم يعلمون ما فعله البنك المركزي بالعملة وبمدخرات الناس وبما يطول شرحه من (فاولات)! فسبحان الحي الباقي الذي جعل دولة مثل النرويج تتصدّر هذه القائمة وتجلس على ذروة سنام التنمية والإزدهار ويكون الفارق بينها وبين السودان (146) دولة، ولا يكون في (قفا السودان) غير إفريقيا الوسطى واليمن! أين حجم السودان وموارده من النرويج الي تبلغ مساحتها الكلية (148 ميلاً مربعاً) وعدد سكانها خمسة ملايين .. (إنما أيه)؟ فهي من أكثر دول العالم رفاهية، والأولى الأكثر سلمية إذ لا تعاني من (الكبع واللبع) الذي نشهده في السودان (بسبّه ومن غير سبّه)! ثم أنها حسمت مبكراً أمر التقسيمات الإدارية على مستوى المحافظات والبلديات ومنحت قومية إسمها (سوامي) حق الإدارة الذاتية؛ ومنذ ذلك لم تحدث عندهم (كعة) ولم يتم (فلق) شخص واحد بطوبة تعكّر صفو بحبوحة الوداعة الدائمة والسلام اللانهائي! والنرويج مع ذلك دولة (عندها شخصية) ولا تجري وراء الآخرين؛ فقد رفضت في (جعاصة) عبر استفتاءين إثنين الإنضمام للاتحاد الأوروبي!
السودان في حالة بعيدة جداً من مثل هذه المقارنات، ولو كان فينا بقية من عقل لقرعنا كل الأجراس في جميع المدارس ولضربنا الوازا والزمباره والطنابير والباسنكوبات للفت الأنظار للحالة التي وصلت اليها بلادنا من حيث (الوجود والعدم) وليس فقط من حيث إختلالات التنمية الاقتصاية والإجتماعية، ولكننا ننظر فنرى الناس تسير في الشوارع ودولاب الدولة مشغول في برتوكولاته وسياراته، وكأننا في النرويج حيث الكفاية والرعاية والرفاه والنعيم الذي يضفي ماء الحياة وحُمرة العافية على الخدود والوجنات!
هذا هو الحال الذي توقفنا عنده بالأمس عبر التقرير الذي يراجع سلامة الدول وأمنها من زوايا الحكم الرشيد ورأس المال الإجتماعي والمساواة والعدالة وسيادة حكم القانون؛ ورغم ترتيب السودان رقم 147، إلا أن التقرير يصف الأحوال السيئة لمجموعة الدول من 91 وحتى 120 (وهي أحسن من حالنا بكثير) ويقول إن مصيرها غاية في السوء وسيسوء أكثر في المستقبل القريب! وذلك بسبب العجز في مجالات رئيسية منها هشاشة وضعف وغياب الحريات والحقوق الأساسية والحكم الراشد وغياب المشاركة السياسية، ولضعفها وتهالكها في مستويات الصحة والتعليم مقارنة بالدول التي فوقها (ما بالك بالدول الأدني منها، والسودان في القاع من هذه الدول تحت المتأخرة)! وحتى هذه المجموعة من الدول (الوسطانية) مأزومة بسوء الإدارة والتصدّع المزمن في معايير السلامة والأمن، والافتقار إلى عدالة توزيع الثروة والعجز عن تحقيق استدامة وإستقرار مواطنيها، بما يلزم بالمراجعة الجذرية لقواعدها التأسيسية والمؤسسية!
هذه هي خلاصة التقرير الذي ينهض على 104 مؤشر، ويحتوى على 15,000 نقطة من مفردات وأرقام التقييم الدقيق.. فأين نحن من ذلك؟ وأين من عينيي هاتيك المجالي!