معراج سيدي الرئيس: الملهم ميلس تيكلي (2)

(حكاوي عن الديكتاتورية وفساد الطغمة)..
فيما كانت شجرة الجزورينا المنصوبة على قمة (جبل دولار) تتمايل بنشوة ووله.. حولها اولادها الصغار الذين نمو نموا سريعا حيث مياة الجبل الوفيرة والارض الخصبة والهواء المنعش والمشبع بالنتروجين والاكسجين مرتعبا مساعدا في الإيراق والخضرة.. على ناحية الشمال من عائلة شجرة الجزورينا وعلى بعد بضعة كيلومترات قليلة ظلت الجموع الوافدة الى قبر (المك نمر) تصيح باعلى صوتها وبلغات الحبشة المتعدد..
يعيش (التقراوي العظيم) ..
يعيش الرجل الذي اعاد لنا الحرية..
يعيش خليفة الملك (منليك الثاني)..
لاحظ خليفة بعشوم بنات (قبيلة الدبوب) بوجوههن الزيتية النضرة يجلسن بروية غير محداث جلبة سوى همسات ناعمة رخيمة.. خلفهن قعد الراعي طرفة سعيد متقرفصا طبع على وجهه تلك النظرة المتفائلة التي تشبه كثيرا نظرة جاكوب والتز المشهور بالرجل الهولندي حينما وجد الصخرة التي تشبة راس انسان في سعيه الدؤوب للبحث عن الذهب في بلاد (الملكة كاليفيا) البلاد التي اكتشفها خوان رودريغس كابريو.. الراعي طرفة سعيد لم يعرف بعد شيئا بعد عن الفرعون سينبكاي الذي تردد اسمه بين الجموع بسخرية لاذعة.. حينها كان مقيد في الأسر برفقة الشفتة الذين اساموه سوء العذاب.. جوار طرفة سعيد جلس قووش قتيش الرجل الذي هزم امجد الطايف في (حرب القنا)..
التاريخ سيسجل لقووش قتيش كلمته الرصينة وهو يخفف من وطأت ألم الاعتراف المخزي لامجد الطايف امام ساحة (القديس ليقانيوس) احد القديسين التسعة.. الساحة مطلة مباشرة علي كنيسة القديس قبراي.. كانت الحشود التي جاءت لاداء صلاة يوم الاحد تقل كثيرا عن حشود تجمع (خليفة سبسبة) في يومه هذا.. صاح قووش قيتش وهو ينأي نفسه بعيدا عن الفخر والخيلاء..
– امجد الطايف لقد انهزمت في (حرب القنا).. ها انت تعلن هزيمة الغبش امام الاحباش.. الحقيقة التي يجب ان تعيها جيدا ان من انهزم ليس انت.. الغبش لم ينهزموا.. الغبش شجعان كرماء صادقون.. من انهزم في واقع الامر هو السيد الرئيس.. من انهزم في واقع الامر شيوخ الاستنفاع الذين انتشروا في مفاصل الدولة كانتشار مرض السرطان بمن به علة.. الديكتاتورية هي التى كَبَّلَتَك ومنعتك من الحراك.. اصبحتَ مثل سلحفاء (قينيت تاميرات) الخائفة.. عندما قدنا (حرب القنا) كنت اعلم انك تخوض حربا فاشلة كتلك التى خضاها الملك فيليب الثاني ضد الملكة اليزابيث التي دَمَّرَتْ أسطول (الارمادا) الذي لا يقهر.. لم تحسم الرياح القادمة من بحر الشمال الحرب كما قال الأفاكون التاريخيون بل العهد الاعظم أو (الماجنا كارتا) أو ميثاق الحرية هو الذي حسم الحرب لصالحها.. أنا أملك التحرر الذى منحه لنا (التقراوي العظيم) كما الذي منحته الملكة اليزابيث لشعبها.. ففي الختام ينتصر اولئل الذين يحملون بين حناياهم اقل قدرا من الانعتاق وقوة التعبير والصراخ بلا خوف.. وينهزم الذين يحملون اكبر قدر من التعسف والقهر والتكميم والارعاب..
تنهد قووش قتيش ثم اخذ نفسا من غليونه الذي يحمل بصمات ونقوش مريبة نحتت بمدينة أصوصا.. ثم واصل:
– ارفع راسك عاليا مثل الضبع تماما.. ولا ترخيه أبدا إلّا للاكل كما يقول الحكيم أفاسين قبر تفارا.. انت اندحرت في (حرب القنا) لان الديكتاتورية لم تهبك الاكل والشراب والانعتاق كيف تهبك (شتول القنا).. ها هي (شتلات القنا) التي اعيتك السبل في الحصول عليها.. خذها وكن مرفوع الرأس مثل الضبع تماما.. انس ما حدث لسحلفاة (قينيت تاميرات)..
قدًم قووش قتيش في حضور (القس بانتاليمون) ثلاثة شتلات من (نبات القنا) وقال بتواضع: خذها يا أمجد خذها ايها المزارع الصادق الطيب ولا تنكسف ابدا.. ابدأ بها حياتك المشرقة التى طالما كرستها للارض..ستظل اكثر سعادة وانت تعيد (نبات القنا) ثانية الى بلاد الغبش بعدما اعدمه الفحامة وازالته ابقار الرعاة واضحى اثرا بعد عين.. يا صديقي أمجد لا تحزن في يوم ما سيظهر عندكم أيضا (تقراوي عظيم) سيعيد لكم الحرية المسلوبة وسينهي حكم العسكر.. في يوم ما ستلفظون رفاة السيد الرئيس في احدى المقابر المهجورة التي يجتمع حولها اللصوص لتقسيم غنائم الليل.. وستزرعون في روحكم نبات (عباد الشمس) وستنمو في وجدانكم زهور (صباح الخير).. ستضحون مثل نمر شاب وجد زوجة بعد مشقة وطول انتظار.. نمر تنتظره حياة سعيدة ممتدة ينجب خلالها ابناء واحفاد.. ستنطلقون مثل (طيور البقر) و(مالك الحزين) باحثين عن مستنقعات البوص الضاجة بالحياة لتشبعوا من الفرحة وترتوا من السعادة وتتنسموا المجد.. ستغنون زرافات ووحدانا كما غنى شاعرنا الثوري مولاتو ميتيكي..
ذهب الرئيس الطاغية ..
ذهب الديكتاتور المظلم..
ذهب الكابوس الخنًّاق لا رد الله غربته..
تناول امجد الشتلات الثلاث فقد ادرك اخيرا كما نصحه خليفة بعشوم سابقا ان أي حرب تخوضها الدكتاتورية ضد الحرية هي حرب فاشلة كتلك الحرب التى خاضها حاكم هيسبانيا ضد بلاد الانجليز.. كتلك التى خاضها الخليفة عبد الله التعايشي ضد الملك منليك الثاني..
دونت المومس مهاليت ووديد بعض الملاحظات حيث وقف جوارها الفتى الحبشي يزاشو يقريم وهما يلاحظان امجد الطايف يستلم الشتلات الثلاثة.. كانت المومس عابرة تبتغي شراء البن من متجر الجبرتي محمد جمال الدين القادم من مدينة ديسيه عاصمة اقليم ولو… شد انتباهها صوت قووش قتيش وهو يخطب فتوقفا سويا.. كانت تريد رصد الحدث قبل ان تنقله الارواح الهائمة والغاضبة لضحايا حرب الانجليز والتليان لعموم الناس في البلدتين.. كانت تريد نشر الخبر في (حي جنقرة) قبل الدلالية زمزم عميان ضر وقبل أي انسان اخر.. الداعرون ايضا يحبون الاخبار الدسمة الطازجة قبل ان تبيت فتفسد..
اشاح خليفة بعشوم نظره عن قووش قتيش الجالس جوار الراعي طرفة سعيد لاحظ فرد المخابرات واقف خلف زوجة مثثلا قبر برهان كالعادة.. وهو مشغول بتدوين ملاحظاته الامنية خلال روادفها البضة.. داهمه رجال من (قبيلة سلتي) سألوه عن إعراب المضاف والمضاف اليه ..
اشار فرد المخابرات الى نفسه وقال : انا المضاف..
ثم اشار الى زوجة مثثلا قبر برهان وقال: هذه هي المضاف اليه..
انصرف عنه افراد (قبيلة سلتي) بعدما دونوا على كراساتهم: المضاف هو رجل ينظر دوما الى خلفية المرأه دون خجل.. والمضاف اليه امراة يتعقبها رجل من اجل النظر الى مؤخرتها ..
قال لهم فرد المخابرات بصوت جهير وهو لم يَحِدْ عن قراءة تفاصيل روادف زوجة مثثلا قبر برهان: المضاف اليه يعرب دوما بالفتحة الظاهرة على اخره..
انفجر خليفة بعشوم ضاحكا بصوت عال.. سمع الحوار الدائر بين فرد المخابرات وافراد (قبيلة سلتي) ثم قال وهو يخاطب الجموع: ايها السادة عندما ذهب ميلس تيكلي الى السماء.. في الحقيقة لم تكن هذه نهاية لرجل حاول بناء دولة العدالة والرفاهية.. انما واقع الامر يقول انها بداية النهاية للديكتاتور (زعيم الديرغ) نفسه.. وضع الديكتاتور الحبل حول رقبته وهو لا يحتسب..
قال لي (التيقراوي العظيم) انه تذكر -لحظة اعدام مليس تيكلي- رسالة بولس الرسول الي العبرانيين المدونة على جدران كنيسة السيدة العذراء بأكسوم الرسالة تقول (انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم)..
لحظتها صمت (التقراوي العظيم) لاحظت سقوط عدد من الدمعات الملكومة.. كانت صقور الاوفامبو لا تزال تحلق فوق رؤوسنا.. والاطفال يلتقطون ثمار العرديب.. ثم تنهد وقال:
– عندما انزل الجثمان من على المشنقة واعلن الطبيب وفاته .. زعيم الديرك إتنابته الاحاسيس السعيدة والغاضبة معا.. كان سعيدا لان عدوه مليس تيكلي ذهب الى الجحيم كما يعتقد.. وكان حزينا لان عدوه الشيوعي لم يرتجف او يطلب الصلح والصفح.. كان يريده ذليلا صاغرا الي نهاية حياته يتوسل اليه وهو جاثيا على ركبته.. لكنه لم يفعلها بقى صامدا حتى الرمق الاخير..
سجى الجثمان امامنا بناءا على اوامر الديكتاتور (زعيم الديرغ) حتى نتعظ وحتى نعرف مصيرنا حاولنا السير في نفس اتجاه استاذنا مليس تيكلي..

النذير زيدان
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..