بترول الجنوب .. (وجــٌب الحكومة )..!

نبض المجالس
سألت ذات يوم القيادي الجنوبي “اتيم قرنق” والذي كان يشغل منصب نائب رئيس البرلمان ابان مرحلة الانتقال التي اقرتها وثيقة نيفاشا , سألته حول بعض الحقائق والملفات الخاصة ببترول جنوب السودان من حيث عائداته واستثماراته وتعاقداته وقتها جنوب السودان لازال جزءا عزيزا في خارطة الدولة السودانية , فاجابني الرجل باريحيته وسخريته المعهودة ..امشي اسأل دكتور الجاز .. ما اعلمه انا عن بترول الجنوب انه يخرج من (جب) ويدخل في جب آخر .
هذه الاجابة المغتضبة من “اتيم” ربما كانت تشكل قناعات الكثيرين في النخبة السياسية الجنوبية سواء كان ذلك في الحركة الشعبية الحاكمة أنذاك او في المجموعات الجنوبية الاخرى الخارجة عن صف الحركة الشعبية , ولذا ظل ملف البترول السوداني بما فيه بترول الجنوب محاط بسياج من التكتم والسرية فلم تكن الشفافية متوفرة بالدرجة المطلوبة ان كان ذلك من جهة التعاقدات او العائدات او حجم الانتاج نفسه , الامر الذي رسم حالة من عدم الارتياح وعدم فانهارت الثقة في كل ما يختص هذا الملف .
هذه الحالة عجلت بتعطيل مشروع البترول في الجنوب في الوقت الذي ظلت فيه دولة الجنوب الوليدة الى دولار واحد يمكن ان تكسبه من هذا البترول فخسرت هذه الدولة الجنوبية وتنكبت في مسيرتها وتحول مشروع السودان الجديد التي تبنته الحركة الشعبية الحاكمة الى “كابوس” ورصاص وضحايا , كما ان دولة الشمال السوداني خسرت هي ايضا كثيرا بفقدانها لاكثر من 70% من العائدات التي كان يضخها البترول الجنوبي في شرايين ميزانيات دولة الشمال وهذا بحسب تقديرات خبراء الاقتصاديين انه شكل ضربة وصدمة كبرى للاقتصاد السوداني احثت فيه شللا واختلالات كبيرة اوشكت ان تسبب له الانهيار الكامل فبات اقتصادا معتلا ومريضا .
بالتاكيد لم تكن حالة الحرب والنزاع السياسي بين مجموعات ومليشيات القوى الجنوبية التي لازالت تعاني منها هذه الدولة الوليدة في الجنوب السوداني لم تكن في صالح استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية في دولة الشمال .
كان من الاجدى للحكومة السودانية وبالاخص من الرئيس البشير ان تكون هناك جهود او حراك لتقريب الشقة بين الفرقاء الجنوبيين بما يتيح للحكومة السودانية تحريك وتنشيط كل ملفاتها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المشتركة بين الخرطوم وجوبا وبالاخص ملف البترول , فالخرطوم في تقديرات الكثيرين هى الاحوج لاعادة انتاج حقول النفط الجنوبي من جديد , خصوصا ان الحكومة السودانية لديها الاعتقاد الراسخ بان مشروع البترول الجنوبي تم بجهدها وبفكرها وبتخطيطها ولكنها فقدت كل ذلك حينما انقطعت “شعرة الوصل ” بين الخرطوم وجوبا واشتدت القطيعة وكادت السيوف ان تخرج من اغمادها .
حاولت الحكومة السودانية وهى “تهرول” شرقا وغربا تبحث عن بدائل وعن حلفاء جدد وعن مساعدات واعانات وربما صفاقات استثمارية او مالية تخرجها من الحرج الذي وقعت فيه مع شعبها والذي لطالما وعدته بالبشرى وبالاصلاح وبالمستقبل الزاهي واخضر عبر برامجها وسياساتها وقراراتها وتوجهاتها الاقتصادية التي ثبت عجزها وسقوطها لاحقا وذلك بالنظر الى معطيات الراهن الاقتصادي والسياسي .
فهل ينصلح الحال اذن ويعود بترول الجنوب كنعمة لشعبين في دولتين ظلا قدرا يتحملان مسوؤلية دفع فواتير قاسية ومرهقة بسبب المزاجات والحماقات التي يرتكبها الزعماء والقادة السياسيين بحق شعوبهم في سبيل تامين حكمهم ؟ .
نحن في انتظار ان تتوج مباحثات ومناقشات الطرفين في دولتي السودان والجنوب الى انتاج “وثيقة” سياسية انسانية اقتصادية تحيل هذه البترول الى نعمة يعود خيرها لشعبي الدولتين لا ان يكون اداة للهدم والحرب والقطيعة .
[email][email protected][/email]