عودة مشار….و متلازمة شبح الاقتتال

ما أن يذكر إسم الدكتور رياك مشار في راهن الخطاب السياسي الجنوب سوداني حتى يتبادر إلى ذهن الجميع متلازمة الصراع التي تمور بها صحائف تاريخ الرجل.
و بالتالي فالرجل المثير للجدل و الميال لخوض الجدال أضحى صاحب سجل مختلف عن كل آباء التحرر و زعماء الحركة في الجنوب و ذلك بسبب جنوحه نحو الاقتتال لحسم صراعاته و ميله نحو استراتيجية الخصومة الفاجرة حتى مع أقرب الأقربين.
و بالرغم من من كمية الفرحة التي تجتاح نفوس أبناء جنوب السودان كجيش عرمرم بعد عودة الرجل إلى حضن الدولة و جنوحه نحو السلم_إلا أن وقائع التاريخ تعيدنا رغما عنا إلى حالة الترقب و الوقوف موقف الحذر _ الحذر الذي ينبغي التعامل به مع راهن الخطاب السياسي في دولة جنوب السودان المشوب بنظرات الشك و الريبة المتبادلة بين الفرقاء فكما ندرك أنه من الغباء تجريب نفس المجرب و إنتظار نتائج مختلفة _بيد أننا يجب علينا أن لا نفهم هذا المبدأ بشكل ميكانيكي و بذا اتخاذه كذريعة لإبعاد رجل كمشار و رفاقه عن الساحة السياسية.
بل فقط كقراءة موضوعية لمعطيات الماضي و إرهاصات التاريخ السياسي القريب للأمة الوليدة و اللذان يعكسان مدى حب رجل(النيكانج) إلى المغامرات السياسية و تفضيله لتحقيق أهدافه عبر إستراتيجيات الحروب و الصراعات.
و لا ينبغي اعتبار ذلك تشاؤما ميتافيزيقا بقدر ما هو قراءة في صحائف الماضي و استدعاء لتاريخ الرجل في اضابير السياسة و ميادين العمل النضالي و كيفية حسمه لصراعاته الشخصية و السياسية و التي يفضل فيها الانتصار للذات عوضا عن الانتصار للموضوع.
بدأ ذلك كما يعلم الجميع في بواكير تشكل الحركة التي كانت قد بدأت في تحقيق بعض المكتسبات على الأرض و الانتصار في بعض ميادين الحروب و تحقيق غايات النضال ضد انظمة الابارتيد التي تعاقبت على حكم الدولة السودانية.
في صراع داخلي في الحركة الشعبية و انشقاق عرف بصراع أبناء الناصر و انشقاقهم و ذلك بمسوغ شعورهم أولا بدينكاوية الحركة يومها أو محاولة دنككتها على يد دكتور جون قرنق دي مبيور و من ثم الجانب الأكثر تعقيدا في الصراع و هو الشعور بميل الدكتور جون قرنق إلى حل مشكلة الجنوب آنذاك في إطار الدولة الموحدة.
غير أن الأمر لم يكن كذلك على إطلاقه و إلا كيف يستقيم هرولة الرجل إلى حضن النظام الذي لا يريد التعايش معه تحت مظلة دولة واحدة و تفضيله انفصال الإقليم.
و لا جدال أنه و بمجيئه إلى الخرطوم مهرولا و واضعا يده في يد فرقاء البارحة قد خلق حالة من الإستياء المؤقت و ذلك بسبب تحالف رجل قوي مثله مع المعسكر المناوئ ما سبب فجوة كبيرة بينه و رفقاء النضال و التي يبدوا أنها لم تردم بعد كل هذه السنين.
و ما بدى ضمنيا في حراك الدكتور رياك مشار الأخير هو ليس سوى استدعائه لنظرته القديمة لسيلفاكير و أعوانه الذين لا يبدون في نظره سوى حفنة من العسكر و بالتالي فإن مشروعية حكم الدولة تبدو له كحق و أمر لا فكاك منه و لا مفر ان كان ذلك عاجلا أم آجلا.
و ما يعاب على مشار هو تعاطيه مع أكثر الملفات تعقيدا بنوع من البرود المخيف و من ثم إنتظار لحظات التحول الحرج و الانتقال إلى موضع الأكثر عنفا و قدرة على الإيذاء و من ثم الرجوع مرة أخرى إلى وضعية السكون التام مع بعض المناورات ههنا و هناك و التي تتمخض لتولد في النهاية اتفاقات تعطي للرجل ما يريد و تحقق له طموحه و حاجاته و هكذا دواليك.
غير أن هذه الإستراتيجية ما فتئت و أن استخدمت ضد الرجل المتقلب في المفاوضات الأخيرة و الذي أضحت التقلبات من سريرته و طبيعته التي لا ثبات فيها ما جعل الرئيس سيلفا يؤكد مرارا و تكرارا للايقاد و الوسطاء أنه لا أمان مع هذا الرجل_فالتاريخ القريب يؤكد على أن رجل(النيكانج) لن يهدأ له بال حتى يمتطي صهوة الدولة و يمسك بدفتها و ما دون ذلك فخرط القتاد.
بيد أن ما سبق لا ينفي حقيقة البيروقراطية المختلة للدولة الناشئة و ذلك بسبب ميلها نحو العمل بمبدأ الشرعية الثورية و التسليم بديكتاتورية الحركة الشعبية كحق نضالي و كذلك تداخل النفوذ القبائلي و السياسي الشئ الذي يبدوا جليا بسيطرة الدينكا على معظم مفاصل الدولة و كذلك استخدام إستراتيجية الجيش المؤثنن(الإثني) ما يقلص مساحات الحوار و الميل نحو حسم الاختلاف اي كان موضوعه بآلية السلاح و القوة و العنف.
ﻭ بالتالي فإن،عملية رتق النسيج الاجتماعي و تحقيق السلم والأمن القومي يحتم على ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺳﻠﻔﺎﻛﻴﺮ ﻣﻴﺎﺭﺩﻳﺖ ﻭﺩ . ﺭﻳﺎﻙ ﻣﺸﺎﺭ ﺗﻴﻨﺞ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ انﻳﺴﺘﺸﻌِﺮﻭا ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻌﻄَﻒ ﺍﻟﺤﺮِﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﺮُّ ﺑﻪ ﺑﻼﺩﻫﻢ ﻭ العزم ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﺎً ﻳﺪﺍً ﺑﻴﺪٍ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺷﻌﺐ ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ عوضا عن التمترس و حشد القبيلة لتحقيق الأهداف السياسية.
علينا أن نضع حدا لنهاية سياسات التمترس و تجييش أفراد المجتمع الواحد ضد بعضهم البعض و تصوير الحياة على أنها صراع (الأنا) و (الآخر) التي ستقودنا حتماً نحو الانزلاق.
و بالتالي علينا بأن بهذا الوعي المستشري و المتعلق بنرجسية النخب السياسية و حبها لنظرية التخوين و من ثم ممارسة قمع الآخر المختلف في الرؤى لهو أولى مراحل التدحرج إلى الوراء.
و علينا نضع سقف زمني لهذه الإصلاحات لأننا ندرك جيداً عن إشكالية الخروج بهكذا جيش لا يدين للدولة بل يتلقى تعليماته من أفراد تربطه بهم علاقات الدم.
على الجميع أن يسارع في تكثيف الجهود حتى يكتسب الكل ثقافة التعايش و العمل على تمدين الوعي و الخروج من بوتقة الارتزاق و تحويل الجيش ليصبح قوميا حتى لا يكون مطيه للذين يحاولون الوصول إلى مراميهم
فهولاء الناس الذين فرحوا بالحرية و حلموا بالعدالة من حقهم أن يعيشوا حلمهم و يحققوا ذواتهم التي فشلوا في تحقيقها في ظل الدولة الأم.
و هؤلاء ليس عليهم أن يجوعوا فمن يملك الأراضي الخصبة و تمتد على مدى بصره غابات لا يجب أن يعيش على الإعانات و المساعدات الإنسانية
و من يعيش فوق بحور البترول عليه أن يحلم بالرفاه و العيش الكريم بكل سهولة.
متوكل دقاش
[email][email protected][/email]