ترامب وبوتين معا في إحراج «الحلفاء»
لماذا يفعل ترامب كل هذا بحلفائه؟! لماذا يستهين بهم ويقلل من شأنهم ؟!! هل من أحد بإمكانه التبرع بجواب شاف ونهائي؟!.
حتى البيت الأبيض يجد نفسه مجبرا على تلطيف «الجلافة» التي يتناول بها الرئيس الأمريكي حلفائه، فبعد تغريدة ترامب التي بدا فيها الآمر الناهي والعاهل السعودي المطيع المخلص وقال فيها «تحدثت لتوي إلى العاهل السعودي الملك سلمان وأوضحت له أنني أطلب أن تزيد السعودية إنتاج النفط بما قد يصل إلى مليوني برميل بسبب الاضطرابات والخلل في إيران وفنزويلا، وذلك لتعويض الفارق.. الأسعار مرتفعة جدا! وقد وافق!»، دخل البيت الأبيض على الخط لــ «ترقيع» ما يمكن ترقيعه عبر القول في بيان له «إن العاهل السعودي وعد الرئيس دونالد ترامب بأن المملكة ستزيد إنتاج النفط إذا لزم الأمر وبأن لديها القدرة على إنتاج مليوني برميل يوميا إضافية».
فرق بين الصياغتين بالتأكيد. ومع ذلك، يبدو الرئيس ترامب مصرا على «وضع رجليه في الصحن» كما يقول المثل الفرنسي، فها هو يعتبر أن الدول المصدرة للنفط (أوبك) تتلاعب بأسعار النفط، مضيفا في مقابلته مع تلفزيون «فوكس نيوز» أن «من الأفضل لها أن تتوقف» عن ذلك «لأننا من يحمي الكثير من تلك الدول».. ولا أحد يعتقد هنا أنه يقصد بهذه الحماية إيران أو فينزويلا أو الجزائر بل بطبيعة الحال دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية.
انتقاد الحلفاء ومعايرتهم بالحماية التي توفرها لهم واشنطن لم تتوقف هنا، فبعد أقوال عديدة للرئيس ترامب وملاسنات مع دول الاتحاد الأوروبي حول الملف الإيراني والتبادل التجاري والرسوم الجمركية، ها هو يعيد التأكيد في نفس المقابلة بأن «الاتحاد الأوروبي لا يقل سوءا عن الصين إلا أنه أصغر حجما منها» مضيفا بأن «الأوروبيين يتعاملون مع الولايات المتحدة بشكل سيئ وغير منصف، ومع ذلك كله ننفق، نحن الأمريكيين، ثروة طائلة على الناتو لحمايتهم». للمفارقة يقول ترامب في ذات المقابلة إنه يعتقد أن «كوريا الشمالية لديها مستقبل رائع» وأنه «يصدّق فعلا» كيم جون أون!!.
حتى خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة إلى واشنطن أتى الرئيس الأمريكي من «القفشات» ما أحرج ساكن الإيليزيه، وكذلك فعل مع الرئيس البرتغالي دي سوزا حين قال له مازحا إنه إذا ترشح ضده نجم الكرة الشهير رونالدو فسيفوز عليه، أما «ثالثة الأثافي» فهي تلك اللوحات البيانية المحشوة بمليارات الدولارات التي أشهرها الرئيس الأمريكي أمام كاميرات العالم كله في البيت الأبيض خلال اجتماعه بولي العهد السعودي مؤخرا والذي حوله إلى ما يشبه المزاد العلني، مع تلميحات مسيئة لم تخفف من وطأتها أبدا ابتسامات الأمير محمد بن سلمان الحائرة.
وحتى لا يكون ترامب وحده في هذا السلوك، ها هو بوتين يفعل الشيء نفسه على طريقته، مع الرئيس السوري الذي لم يقل عنه إنه يحميه، لأنه هذا ما يفعله على الأرض منذ سنوات والذي لولا تدخل الجيش الروسي إلى جانبه لما بقي إلى الآن.
فعلها بوتين مع الأسد مرتين، الأولى في موسكو والثانية في قاعدة حميميم الروسية على التراب السوري. في الأولى في أكتوبر / تشرين الأول 2015 حين استدعى الرئيس الروسي الأسد على عجل فجيء به في طائرة شحن عسكرية ولم يعامل خلال هذه الزيارة التي بدا فيه بشار «وحيدا ومعزولا» كرئيس دولة، وفق ما أوردته كل التقارير التي غطت الزيارة الأولى له لموسكو منذ بدء الثورة الروسية. تلك الزيارة التي لم يعلن عنها أصلا إلا بعد عودته مع أن الأسد كان يريدها أن تبقى سرية، على ما ذكر وقتها. أما في الثانية ففي ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، حيث لم يتم التعامل مع الأسد خلال زيارة بوتين إلى قاعدته العسكرية الأهم في سوريا على أنه رئيس دولة يستقبل على أرضه رئيس دولة حليفة بل تم إظهاره، عن قصد أو نتيجة عدم اهتمام، وكأنه أحد مرافقي بوتين أو حراسه، بل وتمت إهانته مباشرة في لقطة، تم تداولها على نطاق واسع، واختلف كثيرون في تفسيرها عندما منع أحد الضباط الروس الأسد من اللحاق ببوتين وهو يصافح قادته العسكريين.
هذا ما حصل على أية حال، ولا فائدة في افتراض ما الذي كان يمكن أن يكون عليه الموقف مع ترامب أو بوتين لو كان مقابلهما قادة آخرون، راحلون أو معاصرون، عربا أو أجانب، فلا فائدة ترجى من سكب الملح على الجرح?.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
القدس العربي