نظام التأهيل التربوي في السودان بين الواقع والادعاء (2 ? 2)

نظام التأهيل التربوي في السودان بين الواقع والادعاء (2 ? 2)

تطرق المقال السابق إلى أهمية النظام التكاملي الذي يُزوّد المتعلم المادة (التخصص الدراسي)، والطريقة (التأهيل التربوي) والأنشطة والتدريبات معاً، واشار إلى أن مؤلفات الصف الرابع الأساسي لم تراعِ الأسس النفسية لبناء المناهج. كما أن هناك شعور واضح بضعف كليات التربية في دورها في التأهيل والتدريب، ومنذ زمن ليس بالقريب أوصى إداري جامعة الخرطوم بهيكلة كلية التربية، لتداخل برامجها مع برامج بعض كليات الجامعة، وضبابية رسالتها…الخ. بينما أحتمى أساتذة كلية التربية بأهمية النموذج التكاملي. فهل، بحق تعتمد كلية التربية جامعة الخرطوم النموذج التكاملي في التأهيل التربوي؟!! وللإجابة على هذا التساؤل نشير إلى الحقائق التالية:
أولاً: بكلية التربية خمسة أقسام تربوية، تُزوّد المتعلم بالتأهيل التربوي، من مناهج وطرائق تدريس، وتقنيات تعليمية، وقياس وتقويم تربوي، وليس لها علاقة بالتخصصات، وتقدم هذه الاقسام تأهيل تربوي دون أنشطة وتدريبات في مجال التخصص، فعلي سبيل المثال، “إن استاذ القياس والتقويم التربوي يُزوّد جميع طلاب الكلية بمعلومات عن مفهوم القياس والتقويم ومهاراته، وإجراءاته …الخ. دون أن يُتبع ذلك بتدريب ونشاط يمزج بين الطريقة “القياس والتقويم” والمادة “التخصص الدراسي”، وعلى هذا الأساس إن النظام الذي تنتهجه الكلية ليس بتكاملي. فالنظام التكاملي تُقَدم فيه المادة والطريقة والنشاط والتدريب في وحدات متكاملة وليست مجزأة.
ثانياً: هناك أقسام تربوية تهتم بالتأهيل التربوي فقط دون مجال تخصصي، ودون أنشطة وتدريب على ذلك، وعلى سبيل المثال إن طلبة التعليم قبل المدرسي يتم تزويدهم بأساسيات الإشراف على الأطفال ولكن لم تُقدم لهم أي جرعة أكاديمية (مجال علمي) بالرغم من وجود منهج للتعليم قبل المدرسي على المستوى القومي والولائي، فعندما تواجه طالبة من طالبات التعليم قبل المدرسي طفل في روضة تكتشف عجزها في مبادئ التجويد، أو أساسيات الرياضيات …الخ. وعلى نفس المنوال يُزَود قسم التربية الخاصة طلابه بأساسيات التربية الخاصة دون مجال دراسي بالرغم من أن طلبة المرحلة الثانوية ذوي الحاجات الخاصة يدرسون المنهج الدراسي السوداني العام بمواده المختلفة. ووفقاً لهذين القسمين فإن كلية التربية بجامعة الخرطوم هي كلية تربوية بحتة لا تتبع النموذج التكاملي.
ثالثاً: بالكلية أكثر من 10 أقسام تخصصية مثل اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية، والكيمياء …الخ. تؤهل منتسبيها في نطاق التخصص المحدد، فعلي سبيل المثال يقدم قسم الرياضيات مقررات الميكانيكا، والحسبان، والإحصاء والاحتمالات…. الخ، لكن لا يُقَدم أي تدريبات أو أنشطة تربوية تسهم في الدور المهني، وعليه تعمل هذه الأقسام بمعزل عن الأقسام التربوية، مما يؤكد حقيقة أن النظام الذي تنتهجه الكلية هو غير تكاملي يمكن أن يُسمى مجازاً نظام تجميعي وليس تكاملي.
رابعاً: تُقدم أقسام النشاط كالتربية الفنية والتربية البدنية (الرياضية)، أنشطة لبعض الطلاب وليس لكل الطلاب بوصفها تخصصات فرعية، مما يشير إلى أنها لا تهتم بالنشاط الذي يسهم في تدريب الطالب للربط بين طرائق التدريس ومادة التخصص، كما أن هذا الأنشطة هي مقررات نظرية لا ترقى إلى دائرة الأنشطة، ويؤكد ذلك أن امتحانات هذه المقررات تُحكم بنص اللائحة العامة والتي تحصر درجات الامتحان النظري بين 50 إلى 80% من الدرجات الكلية.
خامساً: يتم تسكين أساتذة الكلية في تخصص منفرد، أي إما طرائق أو أنشطة أو تخصصات، ليس تكاملياً يؤهلهم في الطرائق والمواد، ويكون قادراً على إدارة التدريب والنشاط. إن أساتذة الطرائق (التخصصات التربوية)، ليس لهم معرفة بالتخصصات العلمية، أو على الأقل ليس لهم إجازات عالية علي مستوى التخصص الدراسي، وكذلك أساتذة التخصصات العلمية (المواد) ليس لهم تأهيل بالطرائق، أو على الأقل ليس لهم درجات عليا تؤهلهم للتدريب التربوي، وقد يستثنى من هذا الوضع شخص واحد. وعلى سبيل المثال لا يوجد عضو هيئة تدريس يُشرف على أنشطة وتدريبات طرائق تدريس الفيزياء أو تقنيات تعليم الإحياء وهكذا. وعليه يبدو أن الكلية لا تنتهج النموذج التكاملي.
سادساً: على المستوى الإداري يظهر من بين أرفع ثمانية مناصب إدارية عامة بكلية التربية بجامعة الخرطوم، أنه لم يتبوأ أحد منسوبي الأقسام التربوية أو أقسام الأنشطة (9 اقسام) منصب أداري واحد. فالسيد العميد (جغرافيا)، ونائبه علمياً (كيمياء)، نائبه للأساس (رياضيات)، نائبه للمدارس (جغرافيا)، سكرتير البحث العلمي (جغرافيا)، المكتب الأكاديمي (فيزياء)، المكتب الأكاديمي أساس (فيزياء)، الجودة (فيزياء)، مما يؤكد عدم اهتمام الكلية بالنموذج التكاملي إدارياً.
وفقاً لما سبق فإن كلية التربية بجامعة الخرطوم، بوصفها الأنموذج لكليات التربية في السودان، لا تنتهج نموذج تكاملي يمزج بين الطريقة والمادة والنشاط والتدريب، وعليه يبدو أنها في حاجة إلى إجراء عملية جراحية شاملة تتضمن إعادة ترتيب أقسامها، وتسكين أعضاء هيئة التدريس بها، وتبني النموذج التكاملي بمزج المادة والطريقة بالتدريب والنشاط، وليس هيكلة تجميلية بتحويلها إلى أقسام تربوية بحتة.

د. فضل المولى عبد الرضي الشيخ. أستاذ مشارك – جامعة الخرطوم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..