الحزب المحارب فى مجرد ايصال افكاره للناس

لفترة طويلة كنت افكر فى ايجاد وسيلة ناجعة لتوصيل بعض افكار الحزب الشيوعى فى قضايا السودان الرئيسة ، والتى جاءت فى وثائقه منذ مؤتمره الاول ، وظل يطرحها بمايتيسر من الوسائل وهو قليل او منعدم فى بعض الاحيان وغالبا لاسباب خارجة عن ارادته بين المؤتمرات وحتى المؤتمر الاخير . ذلك لانى اجد بعض الناس الذين يعيبون عليه قلة جهده التى يرونها فى هذا الامر ، وبعض آخر يراها هامة وجيدة عندما تاتى من غيره ، وبعض ثالث يرى انها افكار قديمة اكل عليها الدهر وشرب ولاتفيد الآن من غير ان يقوموا بتقديم البديل الجديد الذى لم يأكل عليه الدهر ويشرب ! وطبعا لكل من هؤلاء اسبابه ولكن السبب العام لاولئك الذين يأتون من مواقع العداء لافكار الحزب أما ان يكون طبقيا أو دينيا . وهذا مفهوم وطبيعى ، فمن غير الممكن لملاك وسائل الانتاج التى يدعو الحزب لجعلها ملكية للشعب فى مرحلة النظام الاشتراكى , ولا للذين يعتقدون ان من مبادئ الحزب الرئيسة رمى الدين خارج الحياة ، ان لايكونوا اعداء له ! ولهؤلاء لدى رد مفصل قدمته فى كتابى ” هل للماركسية مستقبل ؟” ولكنى ارمى هنا الى مخاطبة من اعتقد انه لم يتاح لهم الاطلاع التفصيلى على آراء الحزب فى قضايا الوطن الرئيسة ، ولذلك اما انهم عرفوا بعضها من بعض من تبناها لاحقا ، او ان ماوصلهم منها لم يكن مكتملا على طريقة ” ولاتقربوا الصلاة ..” أو ” ويل للمصلين .. ” من غير اكمال !
وقبل ان ابدأ هذه السلسة من المقالات ، التى ارجو ان لاتكون مملة لطولها ، أود ان اشير الى مادفعنى لانهاء تلك الفترة الطويلة من التفكير والدخول فى الموضوع الشائك . أقول ان هذا حدث شكرا ونتيجة لمناقشة قصيرة تمت مع بعض الاصدقاء فى مجموعة مقهى الاصدقاء بالواتساب ، وكان موضوعها جون قرنق وموضوع الهامش .وعلى اسلوب المناقشات بالواتساب سار الامر على النحو التالى :
قال صديق المقهى : قضية المركز والهامش ، اول من نظر لها بهذا العمق هو جون قرنق ، قبل ان تصبح تيمة لنضال الحركات المسلحة ، ولكن يظل طرح قرنق هو الطرح الاصيل والمتعمق والصادق الوحيد فى كل ماتلاه )
خطر ببالى سؤال له علاقة وثيقة بموضوع هذا المقال : اذا كان طرح جون هو الطرح الاصيل والمتعمق والصادق الوحيد فى كل ماتلاه ، فماذا عن الطروحات التى سبقته ؟
ويواصل الصديق ( مرت مياه كثيرة تحت جسر مسيرة الحركة الشعبية .. خيانة الرفاق ..حروب داخلية .. خروج ثم عودة ، وقرنق يمسك بدفة الامور حتى اتفاق نيفاشا 2005 . السؤال : كيف ننظر الآن الى قرنق المشروع والفكرة والتجربة ؟)
وكان تعليقى كالتالى : ( صحيح ما قيل عن قرنق وافكاره وقيادته المتوسعة للحركة ، وأهم من كل ذلك رؤيته لمشكلة الجنوب وبالتالى الهامش بشك عام ، كجزء من المشكل السودانى ” تسمية الحركة الشعبية لتحرير السودان وانضمام اعضاء غير جنوبيين لها ..الخ ” . غير ان هناك قرنق آخر كان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى وله أراء وكتابات مشهودة فى هذا المجال ، وهناك ايضا خطاب عبدالخالق فى مؤتمر المائدة المستديرة بعد اكتوبر ، والذى كان من ضمن حضوره قرنق . ثم هناك افكار الحزب حول الهامش وعمله فى مناطق الهامش ممانتج عنه تكوينات الهامش المستقلة فى الشرق والغرب وجبال النوبة . لقد حدث كل هذا قبل ظهور جون فى الصورة)
سيكون هذا الموضوع اول ما سناخذه بالتفصيل لتوضيح راى الحزب فى قضية الهامش ، ولكن اسمحوا لى بمواصلة مناقشة الواتساب لاهميتها فى وضع الاطار العام لهذه السلسلة .
فقد رد الصديق كالتالى : (عزيزى منعم ، لم اقصد ان تنظر المسألة من خلال هذا الارخبيل الضيق فيما يخص من اين اتت الفكرة ، ولكنى قصدت الى ان شخصية مثل قرنق لم يتوفر لها الاعتراف والثقل التاريخى مثل الاخرين ، ولكن بالرغم من هذا استطاع ان يحدث علامات بارزة فى جدارية السودان المضاع .. استطاع ان يقف على مشروعه بقدميه ويديه ويحرك الهامش العريض بلغته البسيطة التى استطاعت ان تصل قلوب الناس وعقولهم … والحزب الشيوعى لم يكن حزب فلاحين بالمعنى المتعارف عليه .. كانت الافندية تغلب على قيادته وحواراه وتكتيكاته ومازال غير قادر على ان يطرح مفهوما للاشتراكية يلتزمه العوام فى الهامش والكراكير والحواكير.. لذلك عندما حدث ماحدث فى 1965 استطاعت الطائفية بمجهود بسيط ان تؤلب القلوب عليه . ان الرطين الذى كنا نسمعه فى الجامعات وصالونات الافندية حول البيان الشيوعى وهيغيلية هيغل وحوارات انجلز و..الخ لم يستطع ان يتحول الى افكار بسيطة تمهد للثورة السودانية مثلما حرك قرنق الاطراف وكسب احترام المركز .. بالرغم من الهنات التى لازمت المشروع والتجربة ، الاانه يظل قرنق اكثر لاعب سياسى وثورى فى تاريخ السودان بعد ثورة على عبداللطيف .. اردت ان يناقش الموضوع من منظور تاريخى تفاعلى وتوثيقى ، يمارس النقد من منظور هابلى “هابل ” يرى النجوم البعيدة العملاقة ولايغادر الثقوب السوداء .. العقيدة ليست دينية فقط .. الطائفة ليست سبحة وتبروكة فقط .. أرجو ان ننظر للتاريخ السودانى من غير استصحاب هذه التركة الثقيلة التى اشرت اليها اعلاه . شكرا لتعليقك واتمنى العودة للتعليق مرة أخرى ..)
وكان تعليقى على بعض النقاط الجوهرية فى رد الصديق اعلاه ، كالتالى : ( أقرأ تقرير المؤتمر الرابع للحزب ، وستجد انه كان محاولة جادة لتوطين تلك الرطانة الماركسية . وقد نجح الحزب ايضا فى تكوينات القوى العاملةوالمزارعين ، غير ان محاولة التوطين هذه هى التى أثارت المحاولات المستمرة لتعطيل مساعيه وعلى راسها محاولة معهد المعلمين ومانتج عنه ” من حل الحزب وطرد نوابه ..الخ “. هذا كله لاينفى دور قرنق العظيم الذى ظل مرتبطا بشخصه .. الا ترى ماذا حدث بمجرد ذهابه . الذى قصدته من تعليقى ليس انقاصا لدور جون قرنق وانما هو تعليق على ان ماياتى من الشيوعى دائما ما تصيبه مصيبة الكفر أو الرطانة أوماشابه ، بينما لو أتى من جهة اخرى ، ولو متأخرا وبتاثيره يكون مقبولا .. هل يذكر جوزيف قرنق مثل ذكركم جون ؟! )
رد الصديق : ( نذكر جوزبف نعم لكن لاوجه للمقارنة بين تجربته من داخل الحزب الشيوعى ” الافندية ” تجربة جون قرنق من عمق الهامش والغابات وتغيير خارطة الصراع السودانى بل والاقليمى )
سارد ان شاء الله على حكاية لاوجه للمقارنة هذه ، ولكن بما انه قد آلمنى وصف الحزب اكثر من مرة بالافندية ، والذى سافرد له حلقات ، الا انه كان لابد من تعليق قصير عليه حتى ذلك الحين ، قلت : (ياعزيزى انا مستغرب من قصة الافندية المرتبطة بالحزب الشيوعى الذى يناضل من داخل السودان ورغم الظلاوف المعروفة لديكم ربما ، ومن غير ارتباط بأى جهة ماعدا المشترك مع الحركات المناضلة حول العالم ، ولو ان زعيمه عبدالخالق اختار اتجاها افنديا لاهله وضعه الاكاديمى ليصبح افنديا كبيرا او حتى وزيرا ، ولكنه اختار طريق توعية الشعب بقدر ما استطاع على حد قوله وهو فى طريقه الى المشنقة . والسؤال : الى ماذا انتهت تجربة قرنق مع الهامش ان كان بالنسبة للجنوب او الهوامش التى مازالت شمالا ، وقبلها تجربة يوسف عبدالمجيد الذى اختار طريق الغابة ؟)
رد الصديق : (الافندية جات من عدم القدرة على تثوير الهامش السودانى وتحول جل العضوية الى طبقة افندية فوقية جل شغلها مطالب مدينية وتجد نفسها دائما تتحالف مع البرجوازية والطائفية.. لماذا لم تستطع خلق تيار ديموقراطى عريض بينما قبعت فى مواعين التحالفات مع ذات القوى التى قدم عبدالخالق حياته لمقارعتها ؟ اين نموذج عبدالخالق كمفكر وقيادة الحزب ؟ انفصال الجنوب واحدة من نتائج اغتيال قرنق .. بعدين تجربة الهامش مسئول عنها قرنق فقط ؟ هسع يامنعم فى كم سودانى بيعرف يوسف عبدالمجيد مقارنة بقرنق ؟ مالكم كيف تحكمون ؟ )
هنا تدخل اشخاص آخرون من فريق المقهى ، فتساءل احدهم : ( من يوسف عبدالمجيد دة ؟ للعلم بالشئ ولا الجهل به ?فقط لاغير )
قلت ( يبدو ان الامر يحتاج الى مناقشة اطول واعمق . لذلك رايت ان احول هذه المناقشة ، على الرغم من تحاملكم دائما ضد الشيوعى ، الى مقال بالراكوبة لتوضيح بعض الامور الضرورية ، ليس فى موضوع الهامش وقرنق فحسب ، انما موضوع الحزب الشيوعى وتهمة الافندية )
رد الصديق : ( كويس خالص … ابونوبى بيسال من هو يوسف عبدالمجيد ؟) ثم ( ولم نسال عن الغابة )
ردت ?بخبث- ( أرى ان تجاوبه انت الى ان اتحدث عنه كجزء من نفى تهمة الافندية )
رد الصديق ( اجاوب كيفن عاد يامنعم؟ ماانت الجبت يوسف عبد المجيد دا هنا ) ثم ( كمان سويت ليهو غابة .. كدى ادينا نبذة صغيرة عن هذا الاسم والتجربة )
ثم تدخل عضو فريق المقهى الذى سال عن يوسف قائلا : ( والله انا اسأل ” بكل براءة ” عن يوسف عبدالمجيد هذا لاضيف لمعلوماتى ماغاب عنها من سلسلة المناضلين الذين يعملون ” وسيرى الله عملهم ..) فى فضاء السياسة ” على الطريقة السودانية ” التى نحن بصددها )
ويتدخل الصديق : ( لكن برضه مصر على توضيح من منعم حول شخصية يوسف عبدالمجيد .. ويواصل ..مااسمعه عن هذا الاسم شحيح لدرجة الفقر وهو معروف للشيوعيين فقط كاسم برز ابان دكتاتورية عبود وكانت هناك نقاشات داخل الحزب حول كيفية منازلتها . هذا ما اذكره فقط .. ارجو من منعم اضاءة لى وللرفقة حول شخصية ودور عبدالمجيد الذى لايعلم معظم السودانيين عنه شيئا )
وكان لابد من نبذة قصيرة لاتعطى المسئول عنه حقه من التعريف ،الى ان تتاح الفرصة فى المقالات القادمة باذن الله ، قلت : ( يوسف عبد المجيد كان عضو اللجنة المركزية للحزب ومحترف ، وقد كان له دور بارز فى تكوين اتحادات المزارعين وليس الافندية وغيرها من المجاهدات فى الريف ، ثم انقسم على الحزب بفكرة اللجوء الى الكفاح المسلح على مبادئ الحزب الصينى وقتها وفى انقسام الحركة الشيوعية العالمية المعروف وطبعا لم يكن له دينكا يدعمونه ” ولاغابة ” ولكن الفكرة هى نفس الفكرة .. والى مزيد من التفاصيل فى المقال الموعود )
قال الصديق :(كونه عبدالمجيد عنده حزب وافندية يتقنون لغة الفر والكر مع السلطة فذلك يحسب له مقارنة مع سياسيين جنوبيين اغتالتهم القوانين والمؤسسات الحاكمة فى امور اقل من فكرة مايوية عبدالمجيد )
ثم يختتم الصديق : ( ماأقصده ان الحزب من الممكن ان يكون اقوى من القبيلة بالشروط التى انتجته ونوعية المنخرطين فيه )
وكان تعليقى الاخير :( لكنك ياعزيزى تنسى الالغام التى تضعها احزاب الاغلبية حتى اليوم بين الحزب والجماهير خصوصا باستخدام الدين .. ووقوف البعض ضده برغم من ان موقفهم الحقيقى يجب ان يكون مع ما يطرح . على اى حال شكرا على المناقشة الراقية التى دفعتنى الى التعجيل بالكتابة فى هذا الامر الهام ولتوضيح بعض المسائل التاريخية التى قد تخفى على الشباب ).
واخيرا عذرا على هذه المقدمة الطويلة ، التى كان لابد منها كارضية ضرورية لما سياتى .
[email][email protected][/email]



