لمَ أُصيب باخ بالعمى؟

استخلص طبيب عيون أن المؤلف الموسيقي الذائع الصيت باخ عانى من زرقاً ثانوياً (غلوكوما ثانوية) بعد الخضوع لجراحة فاشلة في العينين. توم جاكوبز من «باسيفيك ستاندرد» تابع هذا الاكتشاف.
لا يزال هذا لغزاً من الألغاز المحيطة بحياة كبار الموسيقيين، مع أنه لا يضاهي وفاة موزارت الغامضة في سن الخامسة والثلاثين. لكن سبب إصابة يوهان سباستيان باخ بالعمى الكامل قبل أربعة أشهر من وفاته عام 1750 لا يزال مثار جدل ومدخلاً إلى قصة مؤلمة.
بعد أكثر من قرنين ونصف القرن، يقدّم طبيب عيون فنلدي بارز ما يدعوه «تشخيصاً منطقيّاً» لحالة هذا المؤلف الموسيقي: إصابته بحالة خطيرة من الزرق الثانوي (الغلوكوما الثانوية) بعد خضوعه لجراحة فاشلة في العينين.
في تقرير نُشر في المجلة Acta Ophthalmologica، يفصّل أهتي تركانن المعلومات الطبية والتاريخية التي دفعته إلى هذه الخلاصة. كذلك يشير إلى أن حياة باخ كانت ستكون أكثر زهواً حرفيّاً وربما أطول لو أنه عاش أو حتى سافر نحو 800 كيلومتر إلى الغرب.
يوضح تركانن، بروفسور فخري متخصص في طب العيون في جامعة هلسنكي ومدير فخري لمستشفى العين التابع لهذه الجامعة، أن باخ، بعدما بدأ نظره يتراجع، خضع لجراحة على يد جراح العين البريطاني المتنقل جون تايلور. يضع تركانن كلمة «جراح» بين علامتَي تنصيص، ما يوحي بعدم تقديره لهذا الطبيب بالتحديد.
يصف دانيال ألبرت، مؤلف كتاب Men of Vision (رجال ذوو رؤية) عن تاريخ طب العيون، تايلور بأنه «المثال الأبرز للدجل الطبي في القرن الثامن عشر»، مشيراً إلى أنه كان «يمارس الطب بطريقة تلفت الأنظار، جامعاً الحشود كي يشاهدوا الجراحات التي يُجريها في ساحات البلدة. من ثم يسارع إلى مغادرة المنطقة قبل أن يتمكن المرضى من نزع ضماداتهم».
جراحة
لا تبدو سجلات باخ الطبية دقيقة، إلا أننا نعرف أن تايلور أجرى له جراحة على إحدى عينيه أو كلتيهما خلال أيامه الأخيرة في مارس عام 1750. وقد اضطر إلى الخضوع لجراحة أخرى في إحداهما (أو ربما كلتيهما) بعد أسبوع نتيجة ظهور الساد (الكتاراكت). وقد أصيب بالعمى الكامل جراء هذه الجراحة الثانية.
أخضع تايلور باخ لأقدم (تعود إلى عام 2000 قبل الميلاد) جراحات الساد وأكثرها بدائية. لا تزال هذه الطريقة معتمدة في بعض أجزاء أفريقيا والهند، وتقتضي بإزاحة العدسة من موضعها بواسطة أداة حادة وإقحامها داخل غرفة العين الخلفية. يشير تركانن إلى دراسة أجريت عام 2009 في السودان تناولت النتيجة النهائية لستين جراحة من هذا النوع أجريت لمرضى معاصرين. فتبيّن أن 60% منهم أصيبوا بالعمى التام بسبب الزرق.
لذلك يعتقد تركانن بأن أبا الموسيقى الغربية عانى المصير ذاته. يكتب: «بما أن باخ أصيب بالعمى بعد ثاني جراحة وعانى ألماً مبرحاً في عينيه وجسمه، تظهر هذه العوارض معاناته حالة حادة من الزرق الثانوي».
لا يرى تركانن أي علاقة سببية واضحة بين الجراحتين وموت باخ في 28 يوليو عن عمر يناهز الخامسة والستين. ولكن في تقرير نشر عام 2005 يتناول الموضوع ذاته (يستشهد به تركانن)، يوضح الطبيب ريتشارد زيجرز أن «الجراحتين، النزف، والملينات أضعفت باخ على الأرجح وجعلته أكثر عرضة لأخماج جديدة».
يبدو نظام تايلور الذي يفرضه على المريض بعد الجراحة أشبه بتعذيب، لا علاج. فقد شمل استعمال «قطرات للعينين تحتوي على دم حمام مذبوح، سكر ناعم، وملح مخبوز»، وفق زيجرز. ويضيف: «في حالات الالتهاب المستعصية، كان تايلور يصف جرعات كبيرة من الزئبق».
من المؤسف أن طريقة أكثر حداثة كانت تُختبر في دولة مجاورة. في عام 1747، أي قبل ثلاث سنوات من خضوع باخ للجراحة، أجرى طبيب العيون جاك دافيال في باريس أول جراحة ساد مستخدماً طريقة جديدة أكثر آماناً وفاعلية. وسرعان ما تحولت «تقنية الجراحة خارج الكبسولة» (extracapsular technique) التي ابتكرها إلى الجراحة المعتمدة لمداواة الساد، وظلت كذلك حتى مطلع القرن العشرين.
لكن الأوان كان قد فات بالنسبة إلى باخ وإلى المؤلف الموسيقي العظيم الآخر في تلك الحقبة، جورج فريدريك هاندل. ففي عام 1751، خضع أيضاً لجراحة تايلور البدائية لمرض الساد، وأصيب بالعمى على غرار باخ.
القدس العربي
تعتبر الدراما الحقيقة الواقعية الموضوعية الطب البصرى لمعالجة داء العمى الثقافى الذى ورث فى انفسنا جينوم الكراهية .وتحاينا للذين صنعوا دراما(طيفور فى البرلمان).واتمنى ان مثل هذا المعالجات تكثر .والله المستعان