إختيار المعارك الصغيرة .. والإستبداد

ان العمل الدؤوب هو الاختيار الأصعب لكن الأسهل اختيار معركة صغيرة مثل متابعة محاكمة مغتصب أطفال أو إرتداد شابة عن الإسلام وإعتناقها دين آخر تنظم من خلالها مسيرات وإصدار فتاوي وبيانات وإستنكار وتعج بها مواقع التواصل .. انها معركة سهلة لا تكلف أي مجهود يحس بعدها المناضل (مجازاً) انه انتصر على “الظالمين ” وفرض رأيه عليهم. اختيار المعارك الصغيرة بدلا من القضايا الرئيسية سلوك غير ناضج وسلوك جبان وأنه سلوك لا يقتصر على البسطاء وحدهم إنما أيضا منتشر في وسط المجتمع السوداني عامة وتجده في وسط المثقفين من إعلاميين صحفيين ورجال الدين وغيرهم
المواطن السوداني يعيش تحت قبضة نظام إستبدادي قمعي يرتكب في حقه انتهاكات يومية جسيمة. هناك معتقلين في السجون جريمتهم الوحيدة لم تعجبهم عبقرية المؤتمر الوطني وهناك صحفيون ممنوعون من الكتابة لأنهم مختلفون مع المؤتمر الوطني فكريا . الإنسان السوداني محروم من حقوقه الانسانية فلا تعليم ولا عمل ولارعاية صحية ولاعدالة اجتماعية وفوق كل هذا التقصير ممنوع عليه أن يعبر عن رأيه بحرية في أهم القضايا التي تهم حياته اليومية وحتى المصيرية ..
قضية الشعب السوداني يجب أن تكون مقاومة الاستبداد وانتزاع حقوقهم وفي هذا يجب أن يلعب الإعلام الدور الأكبر لكن الإعلام الموجهة يختار معارك صغيرة تافهة وللأسف يتابعهم الآلاف من المأزومين والمهزومين في الكتابة عن (المعارك الصغيرة) وهناك صحف تحقق توزيع عالي جدا في اليوم لاختيارها (المعارك الصغيرة) فهؤلاء الألاف المتابعين لهذه الصحيفة او تلك يريدون فقط قضية ينتصرون فيها فيستريحون ولو قليلا من شعورهم بالقهر والعجز
النظم الإستبدادية دائما تشجع المعارك الصغيرة ولها نظام خاص وموظفين بل وترصد لها ميزانيات مالية ومتابعة دقيقة على أعلى مستوى . وإن لم توجد قضية من السهل أن تقوم هذه الجماعة بصنعها صنعا عن طريق الصحف والقنوات الفضائية الموجهة حتى يشتت تفكير الناس بعيدا عن قضاياهم الحقيقية ويظهر وكأنه حامى الدين والأخلاق. هكذا لا يكاد يمر أسبوع وإلا هناك قضية صغيرة جانبية تشغل رأي الناس
كل أسبوع يخرج علينا الاعلام الموجه بقضية جديدة تافهة ليصرف الناس عن التفكير في واقعهم الأليم. هكذا انشغل السودانيون قبل فترة ببلاغ النيابة العامة في (لبس) الشابة ويني عمر ناشطة حقوقية كل جريمتها هي :(مشيتها لا تعجب السيد وكيل النيابة!! ) وإستمرت هذه القضية الهائفة المصطنعة من قبل النظام فترة من الزمن ثم قضية الاستاذة الجامعية ومنعها من دخول الجامعة لان لبسها لم يعجب السبد حرس الجامعة (!!) ثم إنشغل الناس بالعقوبة التي يجب أن تقع على إمام جامع أنصار السنة بمدينة القضارف الذي إغتصب الأطفال ثم انشغلنا بالعقوبة التي وقعت على (نورا) الشابة التي قتلت زوجها وماذا قال أبيها وماذا قال أهل زوجها ( الذي إغتصبها) ثم ظاهرة زنا المحارم ثم السحر والعفاريت وبله الغائب وشيخ الأمين وهكذا … ولا تنتهي مثل هذه القضائة الهائفة (المعارك الصغير ) لان النظام يريدها وهو من صنعها
في كل هذه القضايا الخائبة أثارت صحف أو الوسائط وجيوش من الذباب الإلكتروني ضجة كبرى وكتب المؤيدين والمعارضين ويشتبكوا في نقاش عنيف قد يستمر إسبوع أو ثلاثة وفي النهاية أحس الفريق الذي انتصر رأيه بالزهو ونسى مشكلاته الحقيقية حتى يظهر موضوع أو قضية جانبية أخرى
بعد (30) سنة من التخلف والقمع والجمود والتجريف السياسي والتعليمي والأخلاقي لابد أن نعترف ان العقل السوداني أصبح تشوبه عيوب في التفكير ويحتاج إلى مجهود جبار لتحريره منها. كما يجب أن نعترف ان الولع بالمعارك الصغيرة أحد عيوبنا نحن كسودانيين كما نشترك مع بعض دول التخلف في صفة أخرى ألا وهي تعلقنا بالديكتاتور واعتباره بطلا مهما ارتكب من جرائم وبسرعة ننسى له كل جرائمه ونصدقه بأن كل هزائمنا وحتى فساد حكومتنا البائن والظاهر للقاسي والداني إلى نظرية المؤامرة وإن دول الكفر وإسرائيل لا ينامون الليل حتى يدبروا مكيدة جديدة كبرى على إقتصاد السودان وتدميره وان هذا التدهور المريع في الاقتصاد وسوء الخدمات كل هذا سببه هذه المؤامرات التي تحاك ضد السودان (!!) والفساد والسرقة ودمار موارد الانتاج من مشاريع زراعية ومشاريع كبرى والصرف البذخي على الحكومة وأبنائها لا دخل لهما بهذا التردي المريع في كل نواحي الدولة والكل لا يصدق هذه الدرامة السمجة والذين يصدقون اجدهم مجبرين لماذا ؟ لكي يعفوا أنفسهم من المسؤولية
السؤال المهم هنا: هل ينجح إعلام الأنظمة الإستبدادية وجيوشها الجرارة من الذباب الإلكتروني فعلا في اقناع الشعب كله بالأكاذيب (والمعارك الصغيرة) التي يرددها ويتبناها ؟ الإجابة قطعا بالنفي، فهناك ملايين يدركون حقيقة الإعلام في هذه الظروف وأنه ليس سوى أكاذيب دعائية . كما الألمان ملايين منهم أيدوا هتلر والنازية، ومقابلهم ملايين اعتبروا هتلر سفاحا ورفضوا سياساته، وأيضا هناك بين المصريين من رفضوا قمع عبد الناصر لمعارضيه بالرغم من شعبيته الكبيرة . ومن العراقيين من رفضو قمع صدام للمعارضيين العراقيين بالرغم من شعبيته العربية الكبيرة لذلك من المؤكد ان مواطنين كثيرين يرفضون القمع والفساد وهم يعرفون أن معظم ما يحيكه الإعلام من قصص ما هي إلا مبررات للفشل . إذا لماذا لا يجهر هؤلاء المعارضون برفضهم لأكاذيب الديكتاتور؟ إنهم يسكتون إيثارا للسلامة وخوفا من التنكيل بهم عقابا على آرائهم،وغير مستعدين لدفع ثمن التغيير أو لأنهم يعتقدون أنه لافائدة من اعتراضهم على الرأي الذي يتبناه الكثير من الناس ومعظم هؤلاء المذعنين للأكاذيب والساكتين عن الحق هم المسئولون عن استمرار نظام الفشل والاستبداد وأنهم المسئولون سياسيًا عن مقتل المواطنيين في دارفور وكردفان والخرطوم وفي بيوت الأشباح وآخرهم الشاب الذي قتلته الشرطة بدم بارد في شارع النيل لو كان هذا الشاب في بلد ديموقراطي لتولى الرئيس بنفسه التحقيقات ولسوء حظ هذا الشاب وغيره من ضحايا القتل جعلهم يولدون في السودان وفى زمن يتم فيه قتل السودانيين كأنهم كلاب ضالة، بلا محاسبة ولا تحقيق عادل ولا حتى كلمة اعتذار. إن مقتل هذا الشاب وبهذه الطريقة البشعة مهما كانت جريمته انها نقطة فارقة أدرك عندها السودانيون مدى الإذلال والمهانة الذى انحدروا إليه وتأكد لهم عندئذ أن حياتهم بحرية وكرامة لن تتحقق الا بعد التخلص من الاستبداد. لكن (المعارك الصغيرة) تنهكنا وتمنحنا احساسا كاذبا بالانتصار وتعطلنا عن خوض معركتنا الحقيقية ضد الإستبداد والظلم ومن أجل الديمقراطية والعدل والحرية. عندما نؤمن ان مشكلتنا الكبرى هي الاستبداد ونناضل من أجل حقوقنا الانسانية. عندما يتعلم الشعب ان واجبهم الديني والانساني يلزمهم بمقاومة الظلم والإستبداد ونبذ العنصرية وتثبيت دولة القانون والعدالة والحرية وعندما نتعلم ان الصلاة والتدين اتصال بين الانسان وربه وان المتدين يجب أن يضرب المثل في السلوك المتحضر. وعندما تصبح قضيتنا الأولى مقاومة الاستبداد ونكون مستعدين لدفع ثمن التغيير. عندئذ فقط سنحترم أنفسنا ويحترمنا العالم
في الختام إن المشكلة الحقيقية هي الإستبداد أما العنف والقتل بهذا الاستهتار والفساد الإخلاقي والإداري إنما هي أعراض للمرض ولن تزول إلا بزواله وذلك بالتحول الديمقراطي الحقيقي أما بغير ذلك فهو مضيعة للجهد والوقت
ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]
كلام صحيح مية بالمية واضف الى ذلك صراعات السلفية مع الصوفية والسلفية مع الاخوان وسلفية محمد عبد القادر مع سلفية مزمل فقيري ومنابذة مزمل مع عبد الحي يوسف وصراع اشراقة مع احمد بلال والميرغي مريض والميرغني شديد والامام سافر والامام عاد وعمر رقص وعمر حلف والطيب مصطفى مع الكودة وكمال عمر مع علي الحاج والى آخر تلك السفاسف والبلد تذوب كقطعة ثلج مرمية على اسفلت في حر الخرطوم الغائظ.
كلام صحيح مية بالمية واضف الى ذلك صراعات السلفية مع الصوفية والسلفية مع الاخوان وسلفية محمد عبد القادر مع سلفية مزمل فقيري ومنابذة مزمل مع عبد الحي يوسف وصراع اشراقة مع احمد بلال والميرغي مريض والميرغني شديد والامام سافر والامام عاد وعمر رقص وعمر حلف والطيب مصطفى مع الكودة وكمال عمر مع علي الحاج والى آخر تلك السفاسف والبلد تذوب كقطعة ثلج مرمية على اسفلت في حر الخرطوم الغائظ.