تايلاند تفوز بكأس العالم، فهي أجدر بزيارتك أيها الرئيس!

في غمرة انشغال الدنيا بأسرها ببطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة والتي تجري منافساتها حالياً في روسيا الاتحادية، اختفى فريق كرة قدم مكون من 12 طفلاً ومدربهم في أحد الكهوف الجبلية العميقة في شمال تايلاند بعد أن تقطعت بهم السبل هناك ومنعتهم مياه الفيضانات من الخروج. وما أن عرف الناس باختفاء الأطفال، حتى تحركت الحكومة التايلاندية ووظفت كل ما لديها من إمكانات وقدرات للبحث عنهم والوصول إليهم وإعادتهم إلى أهلهم. تحرك الحكومة التايلاندية السريع والقوي لفت أنظار العالم كله، وطارت الأخبار إلى أنحاء الدنيا المختلفة، فإذا المساعدات والمشاركات الدولية تنهمر من كل فج عميق، وفرق البحث والإنقاذ تتقاطر من كل حدب وصوب، وتتنافس في توفير الغطاسين والخبراء والمعدات والمواد المطلوبة، في جهد عالمي خير عظيم. وبعد حوالي تسعة أيام من البحث المضني تمكنت فرق البحث من معرفة موقع الأطفال، ثم تمكنت من الوصول إليهم، ووجدتهم جميعاً أحياء يرزقون، فكان انتصاراً مدوياً ابتهج له العالم بأسره. وبعد معاناة هائلة استغرقت تسعة أيام أخرى وشهيد من الغطاسين التايلانديين المتطوعين، وأخطار لا حصر لها على حياة الأطفال و تحديات عظيمة أمام فرق الإنقاذ نفسها، وبعد جهد هائل وخارق تمكنت تلك الفرق من إخراج الأطفال ومدربهم جميعاً سالمين إلى بر الأمان. وإثر ذلك دعاهم رئيس الفيفا لحضور المباراة النهائية لكأس العالم التي ستقام الأحد القادم بموسكو. ولكن الأطفال لن يتمكنوا من الذهاب حيث انهم الآن قيد الفحص والرعاية الصحية لحماية مناعتهم التي ربما تكون قد ضعفت في فترة وجودهم في الكهف، وسيذهب بدلاً عنهم لحضور المباراة النهائية السيد رئيس جمهوريتنا في معية وفد رسمي من الوزن الثقيل.
لو سأل السيد رئيس الجمهورية قبل توجهه لموسكو عن السر في الاهتمام العالمي والمشاركة الدولية الهائلة التي حظيت بها عملية إنقاذ الصبية التايلانديين لعرف أن الأمر بسيط جداً، وهو يكمن في اهتمام الحكومة التايلاندية الحقيقي بحياة وصحة وسلامة مواطنيها، وإعلائها من شأن حقوق وحياة مواطنيها على أي شيء آخر، وتسخيرها كل موارد الدولة لحمايتهم وحفظ حقوقهم في الحياة والكرامة. حينما يرى العالم حكومة تجل وتوقر وتحترم شعبها هكذا، فلابد أنه سيسارع إلى تقديم كل ما لديه من عون ومساعدة. ولكن العالم، سيدي الرئيس، حينما يرى حكومة همها الأول وشغلها الشاغل هو اضطهاد وإذلال واحتقار وإفقار واغتصاب وقتل وإفناء مواطنيها بكل السبل، وحينما يسمع حكومة لغتها الأولى هي تهديد شعبها بالويل والثبور، ولغتها الثانية هي الرصاص الموجه للصدور، وحينما يرى حكومة تتكسب عالمياً من جثث أبنائها المهملة في الصحارى والمقطعة في أحشاء الأسماك في عمق البحار وهم يهربون من بلادهم للعبودية في أحسن الأحوال، حينما يرى حكومة تنتزع اللقمة من أفواه الأيتام وترمي بالنساء الأرامل ضيقات الحال في السجون وتحطم وسائل كسبهن العيش الحلال، وحينما يرى الشباب يقتلون بدم بارد على أيدي الشرطة وعلى مرأى ومسمع من الجميع في شارع النيل، والنساء يجلدن في الساحات العامة، وحينما يرى العالم مواد الإغاثة تباع بأيدي اللصوص علناً في المتاجر، فهل سيسأل أو يهتم؟! إذن لا عجب أنك تستجدي الدعوة لحضور المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم في موسكو، ولكني لو كنت مكانك، لطلبت الدعوة لزيارة تايلاند لأعرف كيف تقوم الحكومات بإنقاذ الشعوب.
محمد سليمان عبدالرحيم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..