أسبقية الدين وألوهيته، وبعدية الدولة وبشريتها

أسبقية الدين وألوهيته وبعدية الدولة وبشريتها،،

لقد آن الأوان لإعادة ضبط جدلية (الدولة والدين) لتمشي على رجليها بعد أن ظلت تسير على رأسها طيلة حكم (الملك العضوض) الذي امتد من بعد الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا، إهتداءً بقوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ). فالدولة لا تصنع الدين ولا تفرضه، إنما الدين يخلق المجتمعات الفاضلة والمجتمعات الفاضلة تصنع الدولة الفاضلة، تماماً كما فعل النبي، فهو صلى الله عليه وسلم عمل طيلة ثلاثة عشر سنة على إيجاد المجتمع الفاضل، فكان (التنظيم الاداري) بعد ذاك نتاجاً للمجتمع وليس شرطاً لوجوده، حيث أن (صحيفة المدينة) مثلت العقد الاجتماعي الذي حكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولم يرد حينها عنه صلى الله عليه وسلم قوله أن القرآن هو (دستور الأمة).

الدين هو الطاعة الخالصة لله سبحانه وتعالى، وهو علاقة خضوع خاصة جداً للخالق، وكما يقول المتصوفة هو حالة من حالات التحلي والتخلق بصفات الله، كالرحيم والكريم والعفو والغفور والودود ونحوها، التي تسمو بالانسان وتجرده من صفات التوحش والهيمنة التي نراها في سلوك (مَن عَزَّ بَزَّ) أي من غلب سلب، فالاسلام يفصل تماما بين المبادئ السامية (المتعالية) وما بين تجربة البشر النسبية (المحايثة)، فكل تطبيق بشري لمبدأ سماوي يخضعه بالضرورة لشروط الزمان والمكان ويخرجه من اطلاقيته، وبذلك تتهافت موضوعياً وتلقائياً مقولة (الإسلام السياسي)، لأن كل ما هو سياسي إنما هو تطبيق بشري والبشري ليس بدين إنما هو تدين يحكمه الزمان والمكان.

لينتهي بنا القول جملة واحدة، أن لا ضرورة لمراجعة ايديولوجيات (الاسلام السياسي)، إنما المطلوب هو طرحها، لأنها متأثرة بإشعاعات (contaminated) من صفات الله الذاتية التي لا تليق بالبشر وقد اختص بها سبحانه وتعالى ذاته العلية، كالأحد والمتعالي والجبَّار والقهَّار والمتكبِّر ونحوها من صفات الجلال، التي ينتحلها المستبد والطاغية في لبوسه الديني، وتتبدى في إصدار الأحكام باسم الله تعالى علوا كبيراً، ويسن له (الموقعين عن رب العالمين) التشريعات التي توافق مراده وتحقق مصالحه، بينما هي في واقع الأمر محض أفكار وقوانين وضعية تعكس فهوم واضعيها، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (فانك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا).

فنحن إذن في حاجة لإدخال مفهوم (العقد الاجتماعي) في منظومة النقاشات والحوارات اليومية بين الناس، والعقد الاجتماعي في أبسط تعريفاته هو (عقد أو ميثاق أو اتفاق اجتماعي يقره الناس أو المواطنين طواعية فيما بينهم، ليكون أساساً للحقوق والواجبات التي تنظم شؤون الحياة المشتركة بينهم وأن يكون قاعدة للتوفيق بين الإرادة العامة للجماعة والإرادات الفردية أو الجزئية المنضوية تحتها)، تماماً كصحيفة المدينة التي أبرمها النبي صلوات ربي عليه وسلامه مع سكان المدينة آنذاك.

الدين ترك لنا أمر دنيانا نشرع فيها كيف شيئنا، طالما أننا قد حققنا مبادئ الاسلام الكبرى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، ولا حاجة لنا لتأصيل أي مفاهيم جديدة، وإن كانت غربية أو صينية، طالما أنها خارج نطاق الأحكام التوقيفية، والحق فيما عدا ذلك مضمر في آيات الكون والأنفس (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

(باختصار، إن السيطرة على المسيحيين أسهل من السيطرة على غير المسيحيين. بهذا الاخبار ينصح البابا اليوم إمبراطور الصين بالدعاية للمسيحية) هكذا قال نيتشة في كتاب إرادة القوة، ونحن من خلفهم سائرون (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ).

صديق النعمة الطيب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لقد قال نيتشة في كتابه الشهير هكذا تحدث زرادشت Also Sprach Zarathustra بموت الإله، والذي كان يقصد به الكنيسة الغربية التي تدخلت في شؤون السياسة والعلم حتى تم طردها بلا رجعة.

    والإنقاذ تكرر نفس خطأ الكنيسة باستغلالها الفج السمج للدين وتحميله ما لا يحتمل، والنتيجة هي ضعف الإيمان وردات “بالكوم” في صفوف الشباب.

    لقد شهد شاهد من أهلها، وهو الاستاذ الكودة، بخطل الفكرة من أساسها حسب المراجعات التي تنشرها الراكوبة في هذه الأيام المباركات.

  2. لقد قال نيتشة في كتابه الشهير هكذا تحدث زرادشت Also Sprach Zarathustra بموت الإله، والذي كان يقصد به الكنيسة الغربية التي تدخلت في شؤون السياسة والعلم حتى تم طردها بلا رجعة.

    والإنقاذ تكرر نفس خطأ الكنيسة باستغلالها الفج السمج للدين وتحميله ما لا يحتمل، والنتيجة هي ضعف الإيمان وردات “بالكوم” في صفوف الشباب.

    لقد شهد شاهد من أهلها، وهو الاستاذ الكودة، بخطل الفكرة من أساسها حسب المراجعات التي تنشرها الراكوبة في هذه الأيام المباركات.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..