الخرتيت..!ا

الخرتيت..!!

صلاح عووضة

* إبن حيِّنا فيصل (طربنش) ـ خلال عقد الثمانينيات ـ كان مولعاً بأشياء ثلاثة الى حد الجنون حتى اشتهر بذلك على نطاق الحي كله..
* وهذه الأشياء هي؛ الأكلة المعروفة بـ (القطر قام)، و(باغات!!) الخالة سكراية، وابنة الحي ندى الملقبة بـ (الهندية)..
* ورغم أن الأخيرة هذه ليست (شيئاً) الا أنها قد تغدو نحواً من ذلك ـ لدى (طربنش) ـ اذا ما رماها حظها العاثر في سكته عقب (ممارسة) ولعه الثاني..
* ففي يوم كان عائداً من سكراية ـ وقد أفرغ نصف (الباغة) في جوفه قبل أن يصل المنزل ـ فصادف في طريقه معشوقته (هندية) وطفق يحدق في وجهها ملياً كأنه يراها لأول مرة..
* وبعد تفرُّسٍ دام دقائقَ بثوانيها ـ وندى في عجب من أمره ـ نطق بكلمات كانت هي آخر ما بينهما من كلام..
* فقد سألها وكأنه يسائل نفسه: (أنا شفتِك وين؟!.. شفتِك وين؟! آه، إنتِ “محمد ولد”).. * ولقب (محمد ولد) هذا كان قد فارق ندى منذ لحظة مفارقتها مرحلة شقاوة الصبا وولوجها دنيا الأنوثة..
* وما يهمنا من هذه القصة اليوم هو عبارة (شفتك وين؟!) هذي..
* فهناك تصريحات (ولع!!) بها نفر من قادة الانقاذ لا تبدو غريبةً على مسامعنا دونما (ولع!!) من جانبنا بـ (مُشتِّتات) الذاكرة التي أفقدت (طربنش) فتاته..
* ومن هذه التصريحات ما أدلى به السيد نافع قبل يومين على خلفية الثورات الشعبية التي تندلع من حولنا هذه الأيام..
* فقد قال مساعد الرئيس في هذا الصدد إن النظام القائم في السودان بمنأى عن مثل هذه الثورات بسبب ما سماه (الاستقلال في التوجه)، و(الاستقلال في العودة الى الجذور الفكرية والحضارية والثقافية) و (الاستقلال في المنهج الاقتصادي)، و(الاستقلال في العلاقات الخارجية)..
* فمثل هذا الحديث سمعناه من قبل من القذافي حين ثار الشعب التونسي..
* وسمعناه من علي عبدالله صالح حين ثار الشعب الليبي..
* وسمعناه من بشار الأسد حين ثار الشعب اليمني..
* أما نظام مبارك فهو كان صاحب العبارة الشهيرة (إحنا حاجة تانية خالص)..
* ولو رجعنا الى الوراء أكثر ـ الى ما قبل انقلاب الانقاذ ـ فيمكننا أن نتذكر تصريحات مشابهة كذلك..
* تصريحات من قبيل: (أنا قوة بتقدر تشيلني ما في)، و(سنسحق المعارضة كما العقارب)، و(الشعب بحبنا وما ممكن يفرِّط فينا)..
* وبعيداً عن المتشابهات هذه التي تستحضر تساؤل طربنش (أنا شفتكِ وين؟!) دعونا نسائل الرجل المغرم بـ (التحدِّى) ـ أي نافع ـ عن (الاستقلالية!!) التي يفاخر بها نظامه..
* أليست أشكال (الاستقلالية) هذه كافة هي التي أفضت بنا ـ بعد عقدين من الزمان ـ الى (انتقاص!!!) في الارض، والسيادة، والقرار، والأخلاق؟!..
* اذا لم تكن هنالك قوات أجنبية ذات (بوريه أزرق) في بلادنا..
* واذا لم تكن حلايب قد (راحت في الباي باي) ومعها الفشقة التي ضاعت (تَنِّش تَنِّش)..
* واذا لم تكن سجلاتنا الشرطية تسجل حالات غير مسبوقة في ظاهرة الأطفال مجهولي الأبوين، والشقق المفروشة (إياها)، وتعاطي المخدرات..
* واذا لم يكن مجلس الأمن قد أصدر قرارات تجاهنا ليس لها مثيل..
* واذا لم تكن اسرائيل (تبرطع) كما تشاء عند حدودنا الساحلية..
* واذا لم تكن حكومة ولايتنا المركزية قد فكرت في حفر خندق حول العاصمة مذكرةَ إيانا بعهود حروب الفرس والروم والتتار..
* واذا لم يكن هناك حديث عن (تخصيص!!) أراضي الشمال النوبي لحزب الوفد المصري..
* واذا لم تكن هنالك (أيلولة!!) لمرافق (وطنية!!) الى مستثمرين أجانب..
* اذا لم يكن ذلك كله موجوداً فان (تغبيشاً) للعقل مثل الذي أصاب فيصل (طربنش) يكون قد أصابنا نحن أيضاً..
* وفي الحالة هذه فلا تثريب علينا ان نحن تفرسنا ملياً في سوداننا متسائلين: (أنا شفتك وين؟!.. شفتك وين؟!).
* ثم نضيف غير عابئين بحيرة السودان المسكين: (آه، إنت “الخرتيت!!!”).

أجراس الحرية