ونشرب اليوم.. واقرفاه.. مما تغوطناه بالأمس

بسم الله الرحمن الرحيم

أشعر بأنني مدين بشدة وإلحاح ، باعتذار للقارئ الكريم على بشاعة العنوان. ولكن ما حيلتي وأنا أرى أمام ناظري ،ويتملكني يقين راسخ ، بأن ما أستقبحه ،يعبر عن واقعنا حقيقة ومجازاً.ويختلطان حتى يصعب تبين الخيط الأبيض لذاك،عن الخيط الأسود لتلك ؟
وإن تشبَثت الحقيقة بتلابيب المجاز، أخذ المجاز بنواصي الحقيقة وأقدامها ؟ أوليس رعاتنا في الريف ،يسمون قضاء حاجتهم بالخروج إلى الخلاء؟وهم يفعلون ذلك حقيقة ، ويطلقونه على العملية البيولوجية مجازاً؟أولا يأتي موسم الأمطار ليجرف كل ما أخرجوه وحيواناتهم العاشبة واللاحمة خلال عامهم ليجمعه في برك وحفائر،فيأتون بحميرهم ،ذاك يملأ قربة وتلك زقاً ، والحمير كأنها لا تشعر بالرغبة في التبول ، إلا إذا دخلت أقدامها نفس المياه؟أولا يكون وصف ذلك مجازاً ، شراباً من إهمالنا في ماضينا لريفنا وإنسانه ؟ أولا ينطبق ذلك على الشاربين من الترع والقنوات في مشاريعنا الزراعية بدرجة أو أخرى؟
ولئن كان هذا إهمالاً من أهل المدن واستهوانهم بالريف، فماذا قدم مسئولو المدينة لمدنهم منذ استقلال البلاد في هذا المجال وغيره ؟كم طول مجاري المياه السطحية في عاصمة البلاد ؟ دعك عن غيرها من المدن وعواصم الولايات؟ وإلى أي مستوى يتقزم طول مجاري الصرف الصحي عن سابقتها ؟ آه ، ولماذا نكتفي بلوم أهل المدن ؟ أولم يأتي التفوق الأكاديمي بأبناء ذات الريف إلى جامعتنا الأم ؟ ودرسوا الهندسة معماراً ومدنية. والطب والصحة، ورأوا فيها دورات المياه الحديثة والصرف الصحي وعرفوا المزايا والأضرار؟ فبم ساهموا في الإفادة مما درسوا ليطبقوه لفائدة أهليهم ؟ أم أنهم اعتبروا كل ما رأوه واستخدموه شأناً خاصاً بالجامعات حيث درسوا، ومواقع العمل حيث يقضون سحابة نهارهم ، ومساكن الحكومة حيث يقضون باقي يومهم ؟ أما أهل الريف وبقية أهل المدن ،فلا يمكن تطويرهم وذاك كثير عليهم حتى عند تلقي تبرعات لبناء قرى تتمتع بها للنازحين ،ما عبر عنه عبد الرحيم محمد حسين لسمية هندوسة ، مسوقة التبرع الأوربي . وهكذا حولوا الدولة لصالح الأفندوية على ما يقول دكتور حيدر ابراهيم. فأصبح الشأن الخاص بهم مغروساً في الشأن العام ، حتى صار الطريق إلى الحصول على خدمة من مؤسسات الدولة التي يديرونها ، خدمة اخرى للمسئول في شأنه الخاص. وأصدق مثال لذلك ما أتى به المهندس الراحل محمود شريف ، الذي قضى نحبه في الجنوب في حرب عبثية . فلم ينجح في إقناع عبد الرحيم حمدي لدعم هيئة الكهرباء ، إلا عندما أمر مهندسيه بقطع الخدمة عن حيه من مواعيد عودته وحتى خرجه للعمل في اليوم التالي.وهكذا عند سكناهم المدن وابتناء غابات الأسمنت، ثقبوا سطح الأرض لتصريف عادم مياههم ، فاختلطت بمياه الشرب في المدينة وفقاً لتقارير رسمية.فيا لحيرتي ، مم نشرب نحن ؟ أمما نخرجه ؟ أم من خواء سياساتنا ؟ وهل يعرف أي منكم ، الحدود الفاصلة بين الحقيقة والمجاز هنا ؟وماذا يشبه ارتماء المثقفين منذ ما قبل الاستقلال في أحضان الطائفية؟ ولجوء أيدولوجيينا إلى الانقلابات ؟ والراهن الذي يعتبر حصاداً لذاك البذار؟
تساءل معي عزيزي القارئ .هل المباني وحدها،هي التي انهارت بفعل الخريف في النهود ومكرام وحلة موسى؟ أم كل ماضي تخطيطنا العمراني بمهندسيه وإدارييه وتنفيذييه وسياسييه ؟ أولسنا نشرب اليوم مما تغوطته أعمالهم بالأمس ؟ وهل كنا نتوقع نجاحاً من أناس حولوا الأرض سلعة تقاس بالأمتار ، في بلد كان يسمى ببلد المليون ميل مربع ؟ حتى تعجب المغيث اليمني في فيضانات 1988 ، من إصرار الناس على البقاء وسط المياه ، خوف اختفاء ملامح قطعة أرضهم .وبذا تمددت العاصمة ، حتى كاد يجوز قصر الصلاة والافطار في رمضان لمن يتجه من أقصاها إلى أقصاها ؟ فزاد الأمر خبالاً على خبال ، وصعب أمر التفكير في مجاري الصرف الصحي في مساحة كهذه.
والحال كهذه ، وجب علينا الإقرار بأن بلادنا تحتاج إلى تسليمها إلى عقليات شابة ، تختلف طريقة تفكيرها بالكامل عما ساد في تاريخنا الحديث.لتعيد كما يردد البعض ، ضبط المصنع لبلادنا.وإلا ، فلنستعد لمزيد من التدهور.

معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..