العودة من الغربة إلى غربة مستمرة

قبل أشهر أطلقت السعودية حملة لكل الوافدين المقيمين بصورة غير شرعية ومنهم السودانيون لتوفيق أوضاعهم ومغادرة أراضيها خلال فترة محددة وإلا فإنهم يعرضون أنفسهم إلى ما هو أسوأ ، على إثر ذلك لم يجد عشرات الآلاف من السودانيين حلاً إلا العودة إلى غربة الوطن، بعد ذلك اتجهت السعودية إلى الذين يعملون في وظائف رسمية ومقيمين بصورة شرعية، وللتخلص منهم رفعت شعار سعودة الوظائف بتطبيقها لإجراءات جعلت الكثيرين من الوافدين يفقدون وظائفهم ثم فرضت على كل مقيم أجنبي رسوماً تزداد سنوياً حتى لا يتمكنوا من البقاء ومعهم أسرهم، فاضطر عدد كبير للمغادرة وما زالت رحلة العودة مستمرة، السعودية قالت إنها تفعل هذا من أجل حياة أفضل لشعبها .
الشهر الماضي أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة ، مبادرة ستستمر حتى نهاية أكتوبر 2018 الهدف منها التخلص من الوافدين المقيمين بطريقة غير شرعية وقدمت ما يكفي من ضمانات للمغادرة، ولن يكون بإمكان أي مخالف بعد 31 أكتوبر المقبل الاستفادة من المبادرة وستطبق بحقه كافة الإجراءات القانونية التي نص عليها قانون دخول وإقامة الأجانب، وتقول الإمارات إن إطلاق المبادرة يأتي في إطار توجيهات قيادة الدولة بالعمل على إسعاد كل من يعيش على أرض الإمارات .
لم تكتفِ الإمارات بذلك بل فرضت رسوماً خيالية لاستقبال أبناء الوافدين في المداراس الخاصة، مما أجبر حتى أولئك الذين يتمتعون بوظائف جيدة لإرجاع أبنائهم إلى السودان ليكملوا تعليمهم، وهذا العام استقبلت المدارس الخاصة مئات التلاميذ وبمبالغ أكبر من رسومها المعروفة وبعض ما زال يبحث عن مدارس لأبنائه بعدما امتلأت المدارس وفاضت، وارتفعت أسعار الإيجارات، والحكومة غير مهتمة تماماً بآثار هذه العودة لا على الدولة ولا المجتمع. لن ينتهي الأمر هنا، فبقية دول الخليج أيضاً ستقوم بإخلاء أراضيها من الوافدين غير الشرعيين من أجل معالجة كل المشاكل المترتبة على بلدانهم بسبب وجودهم ومن ثم ستطرد العاملين الأجانب ليحل محلهم مواطنون، وذلك من أجل تهيئة المناخ لتوفير حياة أفضل لشعوبها، وسيكون هناك عدد آخر من السودانيين مضطر للعودة في الفترات القادمة، ولكن ستحتفظ كل هذه الدول وفق إجراءات محددة بكل الكفاءات السودانية المميزة .
في نفس الوقت الذي تقوم فيه دول الخليج بهذه الإجراءات من أجل حياة أفضل لشعوبها، تفتح الحكومة السودانية أبواب السودان لاستقبال الوافدين بدون شروط وتمنحهم الجنسيات ويعاملون معاملة المواطنين، حتى إنه قيل أن كثيراً من وافدي الخليج من الدول الاخرى والذين لا يرغبون في العودة إلى بلادهم بسبب إنها تعاني من حروب أو ترفضهم لأسباب سياسية يفكرون في المجيء إلى السودان لأنه الدولة الوحيدة التي يدخلها الأجانب بسهولة وبلا شروط .
في الوقت الذي تفكر فيه دول الخليج في ضمان حياة أفضل للشعوبها، تقوم الحكومة السودانية بالعكس، ولا ادري لماذا لا تفعل مثلها؟! فهي رغم إنها دول تسيطر عليها أسر وحكوماتها دكتاتورية ولكنها قدمت للشعوبها الكثير ، وقد أثبتت أن الحكومات مهما كانت دكتاتورية وفاسدة يمكنها أن تحفق لشعبها الرفاهية إذا أرادت، فلماذا لا تريد حكومتنا أن تكون مثل أية حكومة. لا شك أن الحكومة السودانية لن تهتم بالعائدين من الغربة مثلما لم تهتم يوماً بالمواطنين الذين يعيشون غربة أقسى وأمر في وطنهم، وأهل السودان ليس لديهم ما يقدمونه لهم غير العزاء واقتسام العذاب معهم، ولكن نرجو أن تكون عودتهم فأل خير على السودان .
التيار