أخبار السودان

البرهان خارج “حصنه”.. “تعقب مسار التكهنات

خرج رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، من القيادة العامة للجيش؛ حصنه المنيع بالخرطوم، وسط تكهنات مختلفة تشير إلى سيناريوهات متعددة.

وبخروجه من مقر القيادة، الذي تقول “قوات الدعم السريع” إنها تحاصره، يرفع عبد الفتاح البرهان منسوب الضبابية بالمشهد السوداني، بظهور نادر في العاصمة وانتقاله إلى بورت سودان، وذلك في حراك مفاجئ وغير متوقع منذ بدء الحرب بين قواته وقوات الدعم السريع منتصف أبريل/ نيسان الماضي،

جولة في العاصمة تتحدى إعلان قوات الدعم السريع محاصرة القيادة العامة للجيش بالخرطوم حيث يوجد البرهان، وتفتح المجال لتكهنات حول خطوة ينقسم خبراء في تقييم أبعادها.

وظهر البرهان في مقاطع مصورة انتشرت صباح الخميس، وهو يتجول في قاعدتين عسكريتين في أم درمان غرب الخرطوم.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تداول العديد من المستخدمين السودانيين مقاطع فيديو للبرهان قالوا إنها داخل قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان.

وفي الفيديو، بدا البرهان بخير وكان يرتدي قميصا وبنطالا مموهين وهو يتجول بين الجنود الذين حيوه بحرارة.

وقال: “نحن نقاتل لا من أجل جهة أو فئة… وأنا هنا أنقل لكم تحيات القيادة العامة”، مضيفا: “ما نقوم به هو ليطمئن الناس أن هناك رجالًا في الجيش”، في إشارة يرى مراقبون أنها اختزلت الكثير حول اعتزامه تطهير القوات من الإخوان.

كما تداول مستخدمو موقع فيسبوك شريطا قصيرا للبرهان داخل قاعدة جبل سركاب بالمنطقة نفسها، وسط تهليل الجنود وهتافهم.

بلا عودة؟

كل السيناريوهات واردة حين يتعلق الأمر بأزمة السودان المستمرة منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، حين اندلع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في صراع لم يضع أوزاره رغم اتفاقات وقف النار الهشة ومبادرات ومفاوضات برعاية إقليمية ودولية.

ولئن شكلت جولة البرهان في أم درمان تحديا ومحاولة إثبات وجود وتفنيد لبيانات الدعم السريع، إلا أن انتقاله إلى بورتسودان يعزز التكهنات بعبور للحدود أو للأزمة، أو للاثنين، أو ذهابا بلا عودة، كما يرسم آخرون في سيناريو خاص.

على الأرض، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على أغلب مواقع الجيش في العاصمة، ما يطرح أسئلة حول كيفية تجول البرهان فيها من جهة، أي كيف استطاع الخروج من معقله بالتجمع العسكري بقيادة الجيش.

الوضع نفسه يدفع للتساؤل عما إن كان البرهان قادرا على الرجوع إلى مقر قيادة الجيش، وما إن كان للأمر علاقة بطبخة سياسية تفتح الباب لمفاوضات، وهذا ما قد يفسر الظهور النادر للبرهان وانتقاله لبورتسودان وبالتالي امتلاكه لضمانات التحرك والخروج والعودة.

الدكتور إبراهيم مخيّر، عضو مكتب العلاقات الخارجية بالمكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يقول إن “البرهان هرب من الخرطوم تاركا العاصمة في قبضة قواتنا ومخلفاً جنوده خلفه محاصرين في ثلاث مواقع رئيسية أهمها معسكر المدرعات”، أحد أكبر المعاقل العسكرية بالمدينة.

وأضاف مخير، في حديث مع “العين الإخبارية” أن “قوات الدعم السريع تسيطر تماما علي الخرطوم من الناحية العسكرية، وأنها استلمت كل المواقع الاستراتيجية بالعاصمة بما في ذلك وزارة الدفاع وهيئة الاستخبارات ومعسكر الاحتياطي المركزي ومطار الخرطوم، وكل الطرق الرئيسية التي تؤدي إلى الخرطوم ومداخلها، وكذلك مصافي البترول”.

ولفت إلى أن “آخر المواقع الاستراتيجية التي سقطت في قبضة الدعم السريع هي سلاح المدرعات”، مشيرا إلى أن “معارك أخرى تدور حول المعسكر، حيث هرب جنود البرهان واحتموا بمنازل المواطنين”.

وتابع: “ندرك أن الجنود بعد هروب قيادتهم قد يكونوا مغيبين، موجها النداء للانضمام لقوات الدعم السريع بغرض وقف إهدار الدماء والثروات والالتفات إلى بناء السودان وطناً عزيزاً أبيا”.

لكن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية العميد نبيل عبد الله، نفى سيطرة “الدعم السريع” على سلاح المدرعات.

وفي تصريحات سابقة لـ”العين الإخبارية”، قال عبد الله إن “قوات الدعم السريع غير موجودة في سلاح المدرعات الآن”، مضيفا أن “قواتنا الآن داخل سلاح المدرعات، والدعم السريع لم تسيطر عليه كما قالت”.

وعن سير المعارك، أكد عبدالله أن القوات المسلحة “تسيطر على كل أجزاء السودان، وأن قيادات الفرق والمناطق العسكرية موجودة في جميع ربوع الوطن”.

وأردف قائلا: “قيادات الفرق والمناطق العسكرية تحت سيطرة القوات المسلحة تماما، عدا بعض نقاط الدعم السريع”.

ومستدركا أوضح: “صحيح أنهم (الدعم السريع) في العاصمة الخرطوم متواجدون في بعض المناطق وبعض تقاطعات الطرق وبعض الأماكن السكنية، لكنهم فقدوا مقراتهم منذ أول يوم”.

ورفض الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية التعليق على سير المفاوضات مع الدعم السريع، وكذلك المبادرة التي أطلقها مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، وقال “هذا شأن سياسي وليس من اختصاصي”.

فيما أشار مخير، من جانبه، إلى أن “استراتيجية الدعم السريع لم تتغير في الضغط العسكري على البرهان وحلفائه للوصول بهم إلى تسوية سياسية لما يحدث بالبلاد”، مشددا على أن “وفد الدعم السريع متواجد في مفاوضات جده منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية رعايتهما لها”.

انتقال معقد
طرح آخر يفرض نفسه في ظل التطورات المتسارعة، وهو أن خروج البرهان من العاصمة سيكون بوابة نحو فك شفرة النزاع، وكلمة السر فيها ستكون الإخوان، كما يعتقد مراقبون.

تحرك قد يكون بدافع التعقيد والجمود الذي يعلق فيه السودان منذ اندلاع المعارك، وقد يكون البرهان انتبه أخيرا إلى أن التقارير التي تصله منفصلة عن الواقع بشكل منحه معطيات مغلوطة بنى عليها إحداثيات المعارك، لكنه لم يحصل على النتيجة المرجوة.

وترجح مصادر أن البرهان يتجه نحو استئصال القيادات الإخوانية من النظام السابق والتي حجبت عنه الوضع العسكري الميداني الحرج وأغرته بإمكانية تحقيق نصر سريع.

خطوة ستكون -في حال تحققها- أحد المفاتيح نحو المفاوضات بين الطرفين المتنازعين، خصوصا في ظل أنباء تتحدث عن زيارة قد يجريها البرهان لمصر والسعودية في إطار جهود سياسية للوصول إلى طاولة المفاوضات.

وفي حديثه لـ”العين الإخبارية”، عاد مخير ليقول إن “الجيش تكون من جناحين (القوات المسلحة والدعم السريع)، إلا أن الدعم السريع جاء حديثاً، ولم تتم أدلجته تحت سطوة مدرسة الإخوان قبل الثورة.

وأضاف أن “الوعي السياسي تنامى سريعاً داخل الدعم السريع التي تأسست عام ٢٠١٣، وظهرت رغبتهم للانحياز للشعب جلياً في رفض الانصياع لأوامر الديكتاتور عمر البشير بقمع الانتفاضة الشعبية”.

وتابع: “لاحقا شارك حميدتي في قرار اعتقال البشير (…) وبعدها انخرط الشعب السوداني في حوار لمدة أربع سنوات، محاولا نقل السلطة من الجيش إلى المدنيين، لكنهم فشلوا لتعنت البرهان مسنوداً من الحركة الإسلامية المتطرفة”، وانتهي الأمر إلى الحرب التي تدخل شهرها الخامس.

وبعيدا عن حرب التصريحات التي تمضي بالتوازي مع المعارك، تبدو مغادرة البرهان لحصنه عملية بالغة التعقيد، حيث انتقل من الخرطوم إلى الخرطوم بحري ثم إلى أم درمان في قافلة عسكرية عبرت جسرين.

وفي حال لم يكن الأمر “هروبا”، كما يقول البعض، فإن البرهان سيباشر مهامه من بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر، كما سيشرف على الوفد العسكري المكلف بالتفاوض مع قوات الدعم السريع عبر منبر جدة.

ملف سيكون على رأس أولوياته بالمرحلة المقبلة، ما يؤشر لتحولات هيكلية عميقة في الجيش وأزمة السودان وتغييرات قد تحمل نسائم حل طال انتظاره.

العين الاخبارية

تعليق واحد

  1. خرج البرهان بموافقة الدعم السريع بعد تدخل طرف ثالث قام بتسهيل العمليه التي تمت بسلاسه مع السماح له بمقابلة قواته وتوديعهم… هذا ما حدث بالضبط..!!! اما الضابط البحري وجنده فقد تمت تصفيتهما بواسطة ضباط الكيزان بالجيش بعد ان شكوا فيهما واتهمومهما بالطابور الخامس… والله اعلم..!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..