عقوبات “ترامب” على إيران: شكوك الفعالية

أقرب الى القلب :
(1)
لطالما أثارت المناورات الدبلوماسية التي يبتدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ساحات العلاقات الدولية، ما يرفع حواجب الدهشة وعلامات الاستغراب. “أمريكا أولا” كان شعاره الذي خاض به الانتخابات الرئاسية، وهي أيضاً الممحاة التي أمسك بها لمحو سياسات سلفه الداخلية والخارجية. “أمريكا أولاً” عنده هي أمريكا التي تتحلل من التزاماتها الدولية ، والتي يرى أن سلفه قد “ورط” الولايات المتحدة فيها. رأينا الرجل يربك علاقات بلاده الثنائية والجماعية ، ولا تجد كندا ولا المكسيك من جيرانه الأقربين راحة في علاقاتهما معه. مع إيران ينفض يديه عن اتفاق شبه جماعي شاركت فيه بلدان أوروبية، فإذا به يمهد بذلك لاعطاء ظهره لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا.
(2)
لعل أكثر وضوحا في سياسة “ترامب” الخارجية، أنها سياسة تميل إلى “الدبلوماسية المزاجية الرئاسية”. تخصّ البيت الأبيض ، دون أن تصدر عن وزارة الخارجية موئل الدبلوماسية المؤسسية. ولعل لكلمة “المزاجية” تعود إلى ما يبدو من تخبط في معالجة ملف واحد هو ملف التسلح النووي. بعد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، يرفع “ترامب” لهجته مهددا كوريا الشمالية بالويل والثبور ، ولكنه سرعان ما يتراجع ويزور كوريا الشمالية ويوقع اتفاقا مع زعيمها الغريب الأطوار.
لكن يعود الرجل لينظر بغضب إلى طهران، ويطلق تهديداته مطالبا ربما ليس فقط بإلغاء برامجها النووية، بل بما قد يحدث تغغيرا في النظام الإسلامي هناك.
(3)
مع التقليل من دور الدبلوماسية التقليدية في صياغة المواقف الأمريكية في الساحات الدولية، يميل “ترامب” إلى الاعتماد على وزارة الخزانة الذراع الاقتصادي الذي يشكل الجهة الفعلية التي تعطيه السلاح الاقتصادي الفعال لتطبيق سياساته الخارجية . بالفعل لم تعد المجنزرات والرشاشات والقتابل هي السلاح المناسب في الساحة الدولية ، فثمة سلاح أقل ثمناً وأكثر فتكاً وأشدّ أثرا ، هو سلاح العقوبات الاقتصادية. هذه المرّة من يعين “ترامب”، هي وزارة الخزانة الأمريكية، ولم يكن للخارجية من دور إلا إعلان نفاذ تلك العقوبات. . إن تفعيل “ترامب” للعقوبات الاقتصادية ضد إيران في أغسطس 2018، ستراه إيران، إعلانا لحرب معنوية ، ولربما تشكل هذه العقوبات في نظر اانظام، خطراً على استقرار البلاد، التي تعاني أصلاً من متاعب إقتصادية . لن يكون رد إيران سهلاً، وإيران ليست بالبلد المستضعف.
(4)
لعلّ على الإدارة الأمريكية أن تجري تقييماً لسياساتها السابقة في فرض العقوبات على البلدان التي لا ترضى عنها. ولعلّ تجربة فرض عقوبات على دولة مثل السودان، ولفترة تجاوزت العشرين عاما ، لم ينتج عن تطبيقها أيّ تبديل في النظام السوداني ، وإن وقعتْ بعض التعديلات المؤثرة على سياسات ذلك النظام وعلى استقراره وتماسكه. إلى ذلك فإن رفع العقوبات عن كاهل السودان، منذ أشهرمضت، يثير تساؤل عن مدى فعالية العقوبات الاقتصادية ، كعاملٍ مؤثرٍ وسلاحٍ يعوّل عليه في تنفيذ السياسة الخارجية.
(5)
ثمّة ملاحظتان هامتان حول جنوح الإدارة الأمريكية لاعتماد العقوبات الاقتصادية، سلاحا في ساحات السياسة الخارجية.
أولهما أنها تتم بمنأى عن الأجهزة التي توافق عليها المجتمع الدولي لحفظ الأمن والاستقرار فيه، وأعني بذلك هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها ووكالاتها ومنظماتها. إن في مسلك كهذا من طرف دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، فإنه يضعف تلك المنظمة الدولية ، ويزعزع قدراتها وفعاليتها. ليس في “مزاج ترامب” ما قد يحيله لملاحظة ذلك الأثر السلبي، فيما هو يرفع شعاره وبالصوت العالي: “أمريكا أولاً” .
ثاني الملاحظتين ، يتصل بالطرف الذي تقع عليه العقوبات. تأثير مثل تلك العقوبات بليغ على الأطراف الضعيفة ، طفيف على الأطراف القوية. يضطرب نظام السودان إزاء العقوبات الأمريكية، لكن دولة مثل إيران، لن تأبه كثيرا بمثل تلك العقوبات، ولك أن تنظر مناورات طهران العسكرية في مضيق هرمز. .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (ولعلّ تجربة فرض عقوبات على دولة مثل السودان، ولفترة تجاوزت العشرين عاما ، لم ينتج عن تطبيقها أيّ تبديل في النظام السوداني ، وإن وقعتْ بعض التعديلات المؤثرة على سياسات ذلك النظام وعلى استقراره وتماسكه)، الادارات الامريكية المتعاقبة لم تكن تريد تغيير النظام في السودان بالعقوبات المفروضة ولكن كانت تريد تمرير سياسات خاصة بها وتنفيذها على الوجة الأكمل وهو ماكان ولذلك لم تعمل على اسقاط النظام او تبديلة

  2. (ولعلّ تجربة فرض عقوبات على دولة مثل السودان، ولفترة تجاوزت العشرين عاما ، لم ينتج عن تطبيقها أيّ تبديل في النظام السوداني ، وإن وقعتْ بعض التعديلات المؤثرة على سياسات ذلك النظام وعلى استقراره وتماسكه)، الادارات الامريكية المتعاقبة لم تكن تريد تغيير النظام في السودان بالعقوبات المفروضة ولكن كانت تريد تمرير سياسات خاصة بها وتنفيذها على الوجة الأكمل وهو ماكان ولذلك لم تعمل على اسقاط النظام او تبديلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..