السودان… المسرح العبثي

الوضع الحالي للبلاد و النفق المظلم الذي نحن فيه يحتم علينا التحرك باقصي سرعة ممكنة لانتشاله من براثن الضياع الذي لا رجعة فيه.

البلاد في حالة تآكل مستمر و بوتيرة متسارعة للغاية و لا يوجد هنالك اي افق وفق المعطيات المتوفرة امامنا حتي ان المتسببين في هذا الخراب قد فقدوا سيطرتهم علي كبح جماح هذا السيل الهدام بالجرعات الاقتصادية التي ابتدعوها لضخ قليل من الدماء في شرايين البلاد حتي تفيق من موتها السريري ليتمكنوا من الانقضاض عليها مرة اخري.

علي الرغم ان محاولات الطغمة الحاكمة الاخيرة لا تنبع من رغبتهم في اصلاح الحال بقدر ما كانوا يهدفون الي تصفية حسابات فيما بينهم و اذا ما تحقق ذلك يكونوا قد اصطادو عصفورين بحجر، التخلص من الخصوم او تدجينهم مرة اخري و تسويق انفسهم كمنقذين ليستمروا في السلطة.

ازمات و كوارث متلاحقة ليس ابتداءا بطوابير الوقود و الخبز و لا انتهاءا بازمة المصارف و الارتفاع الجنوني لاسعار جميع السلع و الضرائب الباهظة التي ارهقت كاهل المواطن بل ان الازمة اعمق من هذا بكثير الي الحد الذي يمكن القول بأن معجزة الهية فقط هي التي يمكن ان تعيد الامور الي نصابها.

ان هذه الاوضاع الكارثية هي بالفعل معلومة للكل بما فيهم الطغمة الحاكمة التي لا تبالي و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو الي اد حد يمكن ان نحتمل هذه الظروف حتي نعلن الاستسلام و نقرر رفضها و اتخاذ مواقف جدية لتغييرها?

اذا اردنا ان نقارن محنتنا التي نعايشها اليوم بما يكابده غيرنا في بقية البلدان المشابهه فسنجد اننا في حالة يرثي لها و ذلك لأننا لا نعاني فقط ازمة حكم بل غياب الارادة و الاحساس بالانتماء لهذه البقعة الجغرافية.

لذلك لا نستغرب السلوك السياسي العبثي و العشوائي الممارس بأسم الدولة حيث لا ثوابت تجمع الممارسين لها سوي سعيهم الحثيث لاشباع رغباتهم و ذلك من خلال التمتع بمزايا السلطة حتي و ان ادت تلك الممارسة الي محو البلاد من علي خارطة الدول.

الشواهد علي عدم الاكتراث كثيرة اذ تتجلي في عدم الرغبة في خلق علاقات قائمة علي المصالح المشتركة مع دول الجوار فتسعي لخلق التوترات مع بعضها و تتعامل بدونية مع اخري. كذلك عدم الحرص علي حفظ و صون مكتسبات البلاد من اراضيها التي تنازلت عنها طواعية لصالح دول اخري و بيعت منها باثمان بخسة دون ان يستفيد منها المواطن و مواردها التي نهبت و اهملت بعضها. بل الاسواء من ذلك ان ما تم نهبه من موارد و خرجت من البلاد قد ساهم في بناء نهضة دول اخري.

و عليه فأن التأويل علي اصلاح نظام بهذه المواصفات هو رهان خاسر لأن الامر كما اسلفت اعمق بكثير من مجرد سوء ادارة او فشل سياسات او مجرد فساد، اننا ندار بنظام يعمل من اجل ان لا يكون للسودان قائمة او علي الاقل اعادة بناءه وفقا لاسس ايدلوجية و فكرية تخدم مصالحهم.ّ

علي الرغم انني لا اميل الي نظرية المؤامرة كثيرا الا ان ما يحدث لنا في السودان ليست من بناة افكار الطغمة الحاكمة وحدها او علي الاقل التقت مصالحها مع مصالح دول او جماعات او كيانات اخري مما اعطي هذا المشروع الهدام قوته و جعله يستمر عبر كل هذه السنوات الطويلة و عدم مقدرة الاخرين علي مجابهتها.

انا لا ادري حقا كيف سينتهي هذا المشهد العبثي في مسرح الوطن المستباح. هل تتحقق المعجزة و نبدأ في البناء من جديد ام سينتهي بنهايات اليمة، في كلا الحالتين سندخل التاريخ من اوسع ابوابه.
**
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..