في ذكري صلاح حمدالله .. صالون الابداع والمبدعين!

@ حالة الحزن السائدة الآن بالبلاد تستدعي ذكري حزينة تصادف الخميس ثالث ايام العيد ، سبعة عشر عاما لرحيل أحد أهرامات الخرطوم طيب الذكر الاخ و الصديق الخلوق صلاح الدين عثمان حمدالله الذي إنتقل هو الآخر الي بارئه وفي حلقه غصص من مرارات الانقاذ انزرعت فيه منذ البيان الأول في الثلاثين من يونيو 1989. ذهب الاخ صلاح حمدالله في صمت فاجع خلف حزنا اناخ احماله منذ الثالث و العشرين من شهر أغسطس 2001 لتجيئ ذكري سبعة عشرة عاما علي رحيله مجددة الحزن في قلب كل من ارتبط به . علاقتي بالراحل صلاح حمدالله تشكلت عبر علاقتي بوالده الاديب والمؤرخ الشيخ عثمان حمدالله والذي سكن الحصاحيصا ردحا من الزمان كان يعمل وكيلا لشركة ابوستلو لدباغة الجلود وبعد أن إنقطعت اقامته بالحصاحيصا ظلت علاقاته قائمة حتي رحيله وقد أرّخ لتاريخ الحصاحيصا في سفره العظيم (التعارف والعشيرة ) ،الذي كتب بعض من فصوله عندما كان يحل ضيفا علي والدي عليه الرحمة و الذي تربطه به صلة صداقة متينة.
@ بعد استشهاد شقيقه الاكبر الرائد فاروق حمدالله الذي أعدمه جعفر نميري عقب 19 يوليو 1971 لم تظلم الدنيا في وجه صلاح فقد سار في درب شقيقه مناضلا صلباً في وجه الظلم منحازا للضعفاء والمقهورين ساخرا من الدنيا وبهرجها واضعا مبلغ همه أن يري السودان فوق كل الامم ولا سبيل إلي ذلك كما كان يري الا بتفجير كوامن الابداع والاستنارة في كل المجالات والإطلاع والتوثيق والتدوين وليس غريبا أن يحتفظ بمكتبة ضخمة من الكتب والصحف والتسجيلات الصوتية والمرئية تشكل أحدي حلقات تاريخ معاصر لحقبة زمنية جديرة بالتوثيق ، فتح لها الراحل صلاح حمدالله داره العامرة ،صالونا شامل لكافة المبدعين من الادباء والفنانين والرياضيين .من صالونه انطلقت العديد من الافكار الانسانية والالحان الموسيقية التي شكلت وجدان هذه الامة وتمكن في صالونه المزاوجة بين أهل السياسة والرياضة والادب وكان الصالون يضيق بالرواد، يحفهم بكرمه الاصيل وبإتسامته التي لا تفارقه حتي في اقسي المواقف و دعابته التي يطلقها لتضفي حيوية وجاذبية للطرح والنقاش .
@ شهد صالون صلاح حمدالله ميلاد عدد من الفنانين أذكر منهم نادر خضر والذي كان حريصا أن يعرف راي رواد الصالون في طريقته المتفرده عندما قدمه الفنان فاروق المك وكذلك المطربة سميرة دنيا برفقة عازفها الحبر سليم وعدد من مبدعي مركز شباب السجانة ، كان يرتاد الصالون جهابذة الفنانين والموسيقين و علي رأسهم عبدالله عربي وشقيقه عمر وعلي الله جابو و المطرب الكبير محمد ميرغني الذي كان يقدم وبصورة شبه راتبه ندوات عن فن حقيبة الفن يستضيف فيها عدد من المبدعين والادباء منهم الذين رحلوا ، الامين عبدالغفار ، صديق عباس و المبدع مهلب علي مالك وعبدالعزيز العميري وعامر الجوهري و الشعراء صلاح حاج سعيد ومحمد طه القدال وخطاب حسن أحمد والراحل عثمان خالد والناقد الراحل سامي سالم. من الاحداث التي لا تنسي عندما فاجأنا جميعا صلاح بكنشرتو الساكسفون في باحة صالونه مستضيفا صلاح ساكس العازف الشهير في صولو الساكس لتمتلئ حوائط المنزل كالاستاد من كل الجهات بالذين جذبهم الصوت والحدث الآخر عند وفاة الراحل عبدالعزيز العميري كان الصالون في حالة حداد و دموع لاكثر من 40 يوم ، توقف نشاطه الا ما يخص سيرة الراحل العميري .
@ كان صالون صلاح مركزا اعلاميا لنجوم الاعلام والصحافة محمد محمد خير ، هاشم كرار ومجموعة كبيرة من الاعلاميين الرياضيين الذين ( يتصيدون ) اخبار المستديرة هنالك والصالون يعج بالنجوم والمدربين والاداريين وحتي رئيس الاتحاد السابق الدكتور معتصم جعفر كان من رواد الصالون قبل أن يفكر في العمل الاداري بحكم انه قطب من اقطاب نيل الحصاحيصا والنيل شعار صلاح حمدالله في العمل الرياضي وهذا سر العلاقة بينه وبين نيلاب الحصاحيصا وعلي راسهم الدكتور حسن علي عيسي نائب رئيس الهلال حاليا وياسر النوش رئيس نيل الحصاحيصا . منزل صلاح الذي يضم اضخم صالون أدبي في الخرطوم ، لاتقفل ابوابه طيلة اليوم يستقبل الجميع .. ملاذ آمن لكل خائف ومروع كدار الارقم كل مرتاديه من مختلف الملل والنحل ، اصحاب وأحباب وأهل، تجمع بينهم الالفة ويضمهم كرم وشهامة صلاح الذي رحل وترك اليتم والفجيعة في ابناء عمه حاج علي هاشم والاستاذ عبدو هاشم حمدالله وخالد ورقة ، مامون العجيمي ، علي ابوراس والدقس وعلي حجزي وجميعهم سدنة هذا الصالون والذي قال عنه ذات مرة الاستاذ صلاح علي الزين :

@ نزلنا يومها قرب حديقة القرشي , ( بيت كبير) , ناصيته المقابلة للحديقة عليها لافتة (معهد الصفوة ) , وكان البيت أيضاً , ( بيت صفوه …. جرني صديقي ودفع باب المنزل بيمناه , ودخل وأنا من خلفه.. أساله :يا خوي , إنت جنيت ولا شنو و مدخلنا بيت الناس كده توووش , لا إحم ولا دستور ؟؟؟ لم يجبني ,إ ستمر في جري , ودفع باب الديوان الكبير ولف إلى الداخل قال بعد أن جلس وخلع حذاءه ..ياخوي , أمشي بره في حبشية بتبيع شاي جيب لينا منها قهوة وتعال أفهمك ..رددت :والله ده الفضل , أطلع وأخش في بيت الناس ., وكمان أجيب قهوة , دي مصيبة شنو دي ؟؟؟؟ تنهد ونهض ولم يرد , ذهب بنفسه على ما يبدو لإحضار القهوة … تلفت حولي , جدران الديوان الكبير تملأها صور لشاب وسيم بلباس القوات المسلحة على كتفه (نسر، يشير إلى أنه برتية الرائد أتى صديقي بعدها ويداه فارغتان من آنية القهوة, سألته في سخرية : وين القهوة يا (أبوعرام)؟؟؟؟ أجابني وهو يستلقي على السرير: سميرة بتجيبا أسي…أجبته : ياخوي , إنت ده بيت أبوك …؟؟؟
@ لم أكمل جملتي , فقد دخل علينا رجل طويل عريض , في جلباب أبيض أنيق نهض صديقي وأحتضنه وصافحه بحرارة وقدمني له وقال مخاطبني : ده أخونا صلاح حمدالله …. !!!سرعان ما أنست للرجل , فقد كان قمة في الذوق والرقي هادئاً حين يحدثك , جميلاً حين يبسم بوجهك …. سألته :من الرائد صاحب الصورة …؟؟أجابني في شئ يشبه الفخر :هذا شقيقي المرحوم الرائد فاروق حمد الله ، إنتا ما سوداني ولا شنو؟؟؟ بعدها وبسرعة صرت أحد أفراد هذا المنزل ..ما أن تراني ( سميرة) مقبلاً حتى تلحقني بالشاي والقهوة …. أصدقاء صلاح كثيرون , خاصةً بعد أن صار سكرتيراً لنادي النيل الخرطومي الشهير … ببيته مساءً , ترى شرف الدين أحمد موسى ( لاعب النيل السابق ) , د. كمال شداد ودالشريف صاحب الدبابيس و صديقه اللدود محمد الصادق وهما كعادتهما طرفي نقيض , أبوعبيدة البقاري , د محمد عبدالحليم محمد( توني) , كابتن مازدا , إسماعيل عطا المنان الصحافي والمدرب الشهير ..وغيرهم من نجوم المجتمع …. أهله وعشيرته …. كبر إبنه فاروق أمام أعيننا ,إبنه الوحيد أسماه تيمناً بشقيقه .. فأنعم …. فجأة , ككل جميل إختطفه الموت …مات صلاح حمدالله , وترك وحيده فاروق وتركنا جميعاً ,خلف فراغاً لا يملأه بعده أحد ..رحلت سميرة تطلب عيشها بعيداً عن المكان , حتى السوبرماركت القريب تأثرت مبيعاته لرحيله , لولا مواصلات الصحافة زلط التي تمر أمام المنزل , لحسبت أن نمرة تلاتة رحلت معه عند رحيله ..
@ كان ليل الخرطوم في عز أزمتها ..لا يزينه سوى صلاح ..وأمسياته ..وكرمه هكذا … بعض الناس …. موتهم يفقر المكان …. ..قال عنه صديق الجميع الاستاذ خطاب حسن أحمد: صلاح يجلس على تاريخ من الجمال….فلقد قسم صلاح ..حبه بالتساوى على الجميع ..له الرحمة الواسعة في ذكري رحيله السابعة العاشرة .

[email][email protected][/email] الجريدة