يا للغفلة والاستسهال..تأخر الثورة..لترييف العاصمة !!؟

سؤال المليون دولار، لأي باحث سوداني أو خبير أو من عوام الناس ، هو لماذا تأخرت الثورة رغم توافر كل الظروف وفشل النظام بالكامل. ويتحجج الكثيرون بانعدام الرؤية حول البديل. فإن كانوا يعنون نظام الحكم ، فلا تنتطح عنزتان في أنه النظام الديمقراطي . أما إن كان يقبع تحت تراب الذاكرة سؤال عن شخص،فإنه لا في أكتوبر أو أبريل ، كان الأشخاص الذين تولوا المناصب ، في بال أي فرد. فلم يكن سر الختم الخليفة ، يخطر على بال احد في وجود فطاحلة قادة الأحزاب من قيادات الاتحاديين وحزب الأمة والرموز التاريخية الضخمة للحزب الشيوعي وغيرهم.أما في ابريل ، فكان سوار الدهب، مجرد قائد عام للقوات المسلحة التي كانت تدين بالولاء للنميري. أما الجزولي دفع الله ، الذي تولى رئاسة الوزراء في الفترة الانتقالية ، فكان مجرد نقابي ظهر في نقابة الأطباء في الاضراب الذي قاد إلى الانتفاضة.
ما سبق يقودنا إلى أن كل التحليلات ، إنما تصوب بعيداً عن الهدف.أما الذين يتحدثون عن تراكم العوامل التي تؤدي للثورة، فهم محقون على الأقل من الناحية العلمية وتجارب الثورات.و لكن ينهض السؤال الملح. أليس في كل هذه العوامل والفشل وحنق الشعب السوداني وعزلة النظام. الكثير من هذه العوامل ؟
في خضم سيل التحليلات ، استفزني (بوست) صغير في مواقع التواصل الاجتماعي ،والعديد من التعليقات الموافقة بشدة على الفكرة. تقول الفكرة أن الثورة لن تقوم ببساطة لأن النظام قد تعمد ترييف العاصمة !!!؟ ووضع الخطط الاسكانية لأناس تركوا مواجهة ظروفهم بالريف ، وهربوا إلى العاصمة.والعاصمة التي أنتجت أكتوبر وابريل، لم تعد نفس العاصمة!!!؟ علق بعض المعارضين للفكرة بالتعليق الكسول والسهل ، بأنه من ( الدجاج ) الإليكتروني وما نحوه. ومثل هذه التعليقات، كسولة وإن صحت . فالعبرة مقارعة الفكرة وليس الشخص.
لكن التحليل نفسه في الواقع يقع في فخ الغفلة والاستسهال . الغفلة من عوامل الثورة والمظالم التي لم تترك ريفاً ولا مدينة. ومن جانب آخر ، فيما قد يحدثه من شرخ وانقسام في الصف المعارض.فلئن كان الرجاء تحركا جماعياً يسعى له المعارضون ، فإن قسماً كبيراً من السكان العاصمة بهذا المنظور ، قد أخرجوا من الجملة ، فكيف يشارك شخص استفز بعجزه عن مواجهة ظروف الريف ، وجاء للاستقرار في العاصمة ؟ علاوة على أن الفكرة ، تستبعد الريف كلياً من عناء المشاركة في الثورة.رغم استثناء النازحين من الفكرة المطروحة .أما الاستسهال ، فلأنه لم يكلف نفسه عناء ضرب مثال يقود إلى لإيمان بهذه الفرضية.دعك من أي أساس علمي يمكن الركون إليه. ونضرب بعض الأمثلة القريبة والبعيدة .فعند العصيان المدني في نوفمبر وغيره، كان الناشطون حريصين على نقل الصورة من كل مدن السودان ، بل طالتها فترة العمل الميداني، وعياً بأهمية ذلك. وأطول عصيان في وجه النظام ، كان عصيان المناصير الذي استمر لثلاثة أشهر.وأقوى إضراب في وجه نظام مايو، كان إضراب عمال السكة حديد في عطبرة. وقد جاء نظام الانقاذ ، ومزارعو الجزيرة مضربين عن زراعة القطن . والمظاهرة الأولى التي قادت إلى اكتوبر .كانت مظاهرة أهل حلفا رفضاً للسد العالي. وانجح إضراب مؤخراً كان إضراب تجار الحصاحيصا ، رغم أن نفس الضرائب ، مطبقه على تجار الخرطوم ، قديمهم وحديثهم.
بل وإن أكبر المحاولات لتغيير النظام ، كانت من حركات الهامش المسلحة،في عملية الذراع الطويل التي حاولت تغيير النظام بالسلاح.
من كل ماسبق وغيره، نصل إلى أن مناهضة النظام ، لا تفريق فيه بين ريف ومدينة ، أو عاصمة وأقاليم. ونورد بعض صور مناهضة النظام التي أجبرته على التراجع عن سياساته
أولاً :الضغط بالمزاج الشعبي الرافض :-
والأمثلة في ذلك كثيرة ولا تحصى.فالنظام قد بدأ داعشياً موغلاً في فرض الرأي بمنطق القوة ، لكنه تراجع عن قراراته لهذا العامل . ومن انصع الأمثلة على ذلك :
أ/ تخصيص مقاعد للنساء وأخرى للرجال في الحافلة الواحدة. فهل ترى من ذلك شيئا؟
ب/ محاولة تغيير شكل الغناء السوداني ، بإيقاف إذاعة الأغاني العاطفية، والتركيز على أناشيد الدفاع الشعبي ، بما صاحبه من سطو على ألحان الأغاني السودانية دون مراعاة لحقوق أصحابها. فهل أفلح ؟
جـ/ المثال الأخير ، لتحاشي الإطالة ، في مأساة الغرق لدى أطفال المناصير مؤخراً.فكل من قرأ أو استمع إلى حديث والي نهر النيل ووزير التربية. قد لمس فيه روح النظام الحقيقية. بتحميل المسئولية لأهل المنطقة، بل وهاجت القروبات على الشاعرة روضة الحاج لأنها في مرثيتها حملت المسئولية للنيل!!!؟ ولكن السخط الشعبي وضغطه ، أجبر .الرئيس على السفر معزياً . بل وللمفارقة ، الأمر ببناء مدرسة مختلطة، خلافاً لتوجه النظام عموماً ، وسالحاً على رأس وزير التربية الولائي الذي قال باستحالة عمل مدرسة ، لأن عدد الطلاب لا يتجاوز الخمسة والعشرين!!؟
والسؤال : هل في كل ذلك أثر لريف أو لعاصمة ؟إن قضية الثورة السودانية واحدة وتشمل الجميع.
ثانياً : المقاومة المدنية والعسكرية:
أ/ أتفقنا أم اختلفنا معها، فإنها قد اتبعت الأسلوب الذي اتبعته أمريكا للعمل على انهيار الاتحاد السوفيتي. وهو سباق التسلح.فكلما تطور تسليحها وزادت مقاومتها ، زاد النظام في صرفه. حتى وصلت ميزانية الدفاع إلى 70% من الميزانية، وهو أحد أهم أسباب أزمة النظام وإفلاسه.
ب/ منظمات المجتمع المدني المختلفة وفضح النظام وإيصال رئيسه إلى بوابة المحكمة الجنائية .أما مبادرة لا لقهر النساء. فتستحق رفع القبعات، لأنها استهدفت مقاومة أكبر صور القهر ، والذي يمثل السبب الرئيس للحالة السودانية كما سيرد لاحقاً. ففي حين تفتش مديرة مدرسة تفكر بأسلوب النظام ،عن إجهاض طالبة ، تتولى هي رفع السياط عن ظهرها وتعري النظام.
لا يجب أن نغادر قبل تصويب الأنظار لما نراها عوامل مؤثرة في حالتنا الراهنة وعوامل التغيير.وسأستعين برأي الدكتور العمري في( البوصلة القرآنية )، ومصطفى حجازي في سفره القيم( التخلف الاجتماعي ..سايكولوجية الإنسان المقهور). فالعمري يرى أن في تاريخ الشعوب ما يسمى باللحظة التاريخية التي قد تستمر لمئات السنين. ويرى أن العالم الإسلامي عموماً ، والعربي خصوصاً، ما زالوا في اللحظة التاريخية التي أسماها لحظة معاوية ابن أبي سفيان.وتتميز بالاستيلاء على السلطة بالقوة ، ثم الاستقواء بقبيلته وعشيرته، واستمالة بقية القبائل بالعطايا،والعنف حد قتل المعارضين ، والاستعانة بالدين لتبرير وجوده حد وضع الأحاديث النبوية واتخاذ فقهاء يبينون له مراجع دينية لتصرفاته، ثم التوريث بعد البقاء في السلطة حتى الموت!! فهل ترى يا رعاك الله اختلافاً للنظام عن ذلك؟
ولكن السؤال : كيف وصلنا نحن إلى ذلك ؟ لقد اغنانا الكاتب الاسلاموي حسن مكي عناء البحث إذ قال أن السودان يشهد نهاية التحالف الذي كون دولة سنار بين عمارة دنقس وعبد الله جماع.فنحن وفقاً لهذه الرؤية ما زلنا في اللحظة التاريخية التي أسست دولة سنار باتخاذ الاسلام ديناً للدولة والعروبة هوية!!حيث لجأ البعض لنسابين ينسبونهم إلى العرب. (راجع كتابات الدكتور أحمد الياس في مناقشة أصول السودانيين ،خاصة الأصل العباسي للجعليين.وأوضح أنه غير موجود إلا في المراجع السودانية).وإذا سايرنا ملاحظة الدكتور حسن مكي ،فإن الصراع الخفي الظاهر، هو في تغيير هذه المعادلة ، ما يجعل من تعطيهم ميزة، يرون أنها دولتهم التي يجب أل تنهار مهما كان رأيهم فيها.والإقرار بنهاية هذه اللحظة التاريخية صعب عليهم إلا عند حدوث الانفجار والوقوف أمام الأمر الواقع.وما عليك إلا مراجعة موقف الصادق المهدي كامتداد لهذه الرؤية بتخوفه من سطوة الحركات في سبتمبر. وعدم العودة للتحالف معها إلا عندما ضمن ضعفها!!
أما الدكتور مصطفى حجازي فيربط بين التخلف الاجتماعي والتعرض للقهر ، بحيث لا يجدي كل ما يحدث من تغيير دون الرجوع إلى أس الداء.والمفارقة التي يصل إليها هي أن القهر يضع قوانينه ،وأكثر المحافظين على هذه القوانين ، هم المقهورين أنفسهم!!.وأنصع مثل هو ووضعها .فالزوج المقهور ، يعوض قهره فيها وكذلك كل المجتمع. ومع ذلك ، فهي أكثر الفئات المتخلفة ، عوامل قهرها، فهي مقهورة بفرض الختان ، وهي الأحرص على نقل القهر لبناتها، وهي من تبث باسم التربية ، كل شروط المجتمع في ابنتها أكثر من الرجل!!ويرى أن سلسلة القهر تبدأ من التبعية للمستعمر الذي يتغاضى عن قهر الدولة والنظم ما دامت تواليه . ونماذج الحفاظ على قوانين القهر متعدده ،والموظف الأنيق الذي كان يركب الشاحنة في مايو لفشل النظام القاهر في توفير المواصلات، هو نفسه الذي يركب الدفار وجرار النفايات حفاظاً على نظامه القاهر وعجزاً عن مواجهته اليوم .أما المثال الأنصع بالنسبة للحالة السودانية ، فقوات الدعم السريع ، التي تمارس قهر النظام وبطشه. لكنها بدورها تتعرض لنفس القهر والبطش من النظام نفسه.وما عليك إلا مراجعة العقوبات التي فرضت على (مئات ) منهم نتيجة عصيان الأوامر!!
ختاماً فإن القهر بهذا المنظور يبدأ من التبعية للمستعمر واقتصاده ، إلى الدولة وقواتها العسكرية ، فالدين واستخدامه والقبيلة التي تقهر لا تغيير في تراتبية السلطة فيها ثم البيت والمرأة والطفل .والمدرسة التي لا يكون المتمرد طالباً مثالياً فيها. الخلاصة فإن التغيير يجب أن يكون في نفسية الناس حتى يتم.فعندما لا تشعر بالقهر وترفضه في صف المرتبات وزحام الصرافات والأزمات ومصادرة حريتك الشخصية ، لن يكون حلم بالتغيير الحقيقي ، حتى ولو ذهب النظام.أما أهم أدوات التغيير التي اهتم النظام بتغييبها، وكان له دور مهم في أكتوبر وابريل. فهي النقابات الحرة. لأنها إن قامت بفعل مناهض ، فخلفها العضوية وتحميها بلاضراب عن اعتقالها. وهو ما ينقص الثورةحالياً.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. نعم المشكلة الأساسية في وجه ثورة الجماهير عدم وجود النقابات الحرة الحقيقية!!نقابات اليوم عبارة عن مسخ اسمه نقابات المنشأة التي ليست على قلب رجل واحد…فهي تضم أشتاتاً من العاملين ذوي التخصصات المختلفة داخل المنشأة!!بالطبع نقابات بهذا الشكل أشبه بالجمعيات التعاونية التي كل اهتمامها توفير السلع الإستهلاكية للعاملين!!! لذلك الخطوة الأولى للحراك الجماهيري تتمثل في الثورة على نقابات المنشأة المسخ و البدء في تكوين اتحادات مهنية تكون أنوية لنقابات مهنية حرة حقيقية!!! بعد تكوين النقابات المهنية الحقيقية يسهل إلقاء تمثال الورق المهترئ الذي يمثل سلطة عصابة الإنقاذ في مزبلة التأريخ و ذلك بتحرك سلمي بحت عبارة عن عصيان مدني شامل!!!

  2. نعم المشكلة الأساسية في وجه ثورة الجماهير عدم وجود النقابات الحرة الحقيقية!!نقابات اليوم عبارة عن مسخ اسمه نقابات المنشأة التي ليست على قلب رجل واحد…فهي تضم أشتاتاً من العاملين ذوي التخصصات المختلفة داخل المنشأة!!بالطبع نقابات بهذا الشكل أشبه بالجمعيات التعاونية التي كل اهتمامها توفير السلع الإستهلاكية للعاملين!!! لذلك الخطوة الأولى للحراك الجماهيري تتمثل في الثورة على نقابات المنشأة المسخ و البدء في تكوين اتحادات مهنية تكون أنوية لنقابات مهنية حرة حقيقية!!! بعد تكوين النقابات المهنية الحقيقية يسهل إلقاء تمثال الورق المهترئ الذي يمثل سلطة عصابة الإنقاذ في مزبلة التأريخ و ذلك بتحرك سلمي بحت عبارة عن عصيان مدني شامل!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..