الصحة أساس النهضة والتنمية

الصحة أساس النهضة والتنمية
يعد مشروع نهضة شمال كردفان مبادرة رائدة للنهضة، ليس في هذه الولاية فحسب، بل أصبح نموذجاً يمكن تطبيقه في كافة أرجاء السودان! وهذا المشروع يرتكز مبدئياً على أربع ركائز هي الطريق، وقد أوشك على الانتهاء، وذلك الفضل من الله، والتعليم، وهو يشهد تطوراً ملحوظا؛ إذ شيدت مدارس كثيرة بالمواد الثابتة بدلاً من القش في كثير من القرى والأرياف، وفيما يتعلق بالماء، هناك جهود حثيثة لتوفير مياه الشرب لمدينة الأبيض من المصادر الجنوبية ومن حوض بارا. وحسب علمي يسير العمل في هذا الخصوص بخطى حثيثة، وسوف يطوى “الرشا” في كل أنحاء الولاية في القريب العاجل بإذن الله، ولن يكون لدينا نائب برلماني عطشان بعد اليوم. أما في مجال الصحة أو المستشفى، فقد اكتملت كثير من البنى التحتية حيث بني مركز الجميح لغسل الكلى وشيد مستشفى التأمين الصحي في حاضرة الولاية وأجريت صيانة كاملة لمستشفى الأبيض التعليمي، وأصبح مركزاً لتدريب طلاب الطب من جامعة كردفان وغيرها، وذلك الفضل من الله! وبغض النظر عن كل هذا الإنجاز، هناك شكوى أو ملاحظات حول الخدمات الصحية في الولاية، ونود هنا أن نشير إليها من قبيل لفت النظر وليس الانتقاد. فقد ذكر لي أحد الإخوة الذين يتابعون سير العمل في مركز الجميح لغسل الكلى أن هذه المنشأة الحيوية، أو هذا الحلم الكبير، الذي تحول إلى واقع، بفضل الله، وبجهد مشكور من رجل البر والإحسان الشيخ الجميح، تعاني من الإهمال من حيث النظافة وصيانة الأجهزة وتوفير المواد المستخدمة في عملية غسل الكلى، ويعود ذلك كله لضعف الميزانية المرصودة لتشغيل هذا المرفق الحيوي الذي يقدم خدماته ليس فقط لسكان شمال كردفان، بل للمصابين بأمراض الكلى في كل غرب السودان وبعض دول الجوار الإفريقي! ومن جانب آخر، يتحدث الناس في شمال كردفان عن نقص في الكوادر البشرية في المجال الطبي؛ خاصة في مجال الخدمات الإسعافية وما يتصل بها من أجهزة منقذة للحياة والفنيين المختصين والسيارات المجهزة. وهنالك نقص ملحوظ في عدد الأطباء الاختصاصيين والاستشاريين في كثير من العيادات؛ خاصة في مجال العظام والتخدير والأشعة العلاجية والتشخيصية، بعد هجرة بعض المختصين المؤهلين مؤخراً. وعلى الرغم من أن الولاية قد اتخذت خطوة جريئة ومغرية لتشجيع الأطباء الخريجين على العمل في المرافق الصحية في بعض المناطق، إلا أنه لا يزال هناك نقص في عدد العاملين في تلك المرافق والمستوصفات؛ بحجة أن هذه المناطق تعتبر مناطق شدة. عموماً، هناك الآن كلية طب تتمتع بسمعة ممتازة في الأبيض، ولكن مع ذلك لا تزال الخدمات الطبية بهذه المدينة المزدهرة بحاجة إلى تحرك عاجل يخرجها من الحالة الراهنة؛ حتى تواكب نهضة الولاية. في هذا الصدد، وبحسب وجهة نظر بعض العاملين في الحقل الطبي، فإن الوضع الراهن لصحة البيئة في المرافق الطبية هو العائق الرئيس الذي يحول دون قيام تلك المرافق بدروها على الوجه المطلوب؛ لأن البيئة القائمة حالياً لا تساعد الأطباء، ولا طواقم التمريض والكوادر الفنية الأخرى على تأدية واجباتهم، كما أنها لا تساعد المرضى بأي حال من الأحوال؛ خاصة في المستشفيات الكبرى في المدينة حيث تدهورت صحة البيئة بشكل مريع؛ نظراً لانعدام النظافة وغياب الرقابة والإشراف من قبل الجهات الإدارية المعنية بهذا الأمر، ولشح الميزانيات وندرة المواد والأدوات المطلوبة من أجل بيئة طبية نظيفة! ولا ننسى أيضاً ضعف التدريب والتأهيل من قبل جهات الخبرة والاختصاص والنقص الحاد في بعض الكوادر الطبية مثل اختصاصيي جراحة المخ والأعصاب والعظام والعمود الفقري، وما شابه ذلك من مشكلات تتطلب رعاية طبية متقدمة ومختصة باستخدام أحدث الأجهزة. ومن جانب آخر، تشير بعض الإفادات إلى أن المختبرات الطبية المتوفرة في الولاية تنقصها القدرة الفنية على إجراء بعض الفحوصات الطبية التي تحتاج لأجهزة متطورة وكوادر مؤهلة، ويشتكي البعض من عدم توفر أجهزة الفحص الأساسية حتى في المستشفيات الحكومية، الأمر الذي يضطر المرضى إلى اللجوء إلى المستوصفات الخاصة، أو السفر إلى الخرطوم. وكما هو معلوم فإنّ تكلفة التشخيص والعلاج في العيادات والمراكز الطبية الخاصة مرتفعة جداً ولا تتوفر إلا لميسوري الحال من الناس، ومع ذلك يفضل كبار الاختصاصيين التعامل مع المراجعين عبر العيادات الخاصة! هذا الوضع لا يتسق مع شعارات نفير نهضة شمال كردفان؛ ولذلك فإنّ المطلوب فوراً هو تدريب العاملين في الحقل الطبي وتحفيز كبار الأطباء على العمل في الولاية عن طريق حزمة معقولة من الحوافز تشمل توفير السكن ووسيلة النقل والحوافز المادية الأخرى. ومن المهم أيضاً اتباع أسلوب إداري وإشرافي يحقق الاستفادة القصوى من التجهيزات والكوادر المتاحة حالياً، وتحسين البيئة الصحية، وصيانة المرافق والأجهزة، والعناية بخدمات الحوادث والطوارئ. أقول هذا وفي ذهني قول أبي الطيب المتنبي: لا أرى في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التمام. الإخوة المسؤولون في وزارة الصحة بالولاية “أربطوا حزامكم” فلا نهضة ولا تنمية بلا صحة!
محمد التجاني عمر قش [email][email protected][/email]