أبحث عن نفسك .. تطيعك حكومتك

حتى لا …. ننسى (2)
فى مرحلة من مراحلنا التعليمية قامت المدرسة بأخذنا لإحدى الأيام القومية التى تهم السودان ، حقيقة لا اذكر ما هى المناسبة ولكن أذكر أن المعلمة شجعتنا غاية التشجيع للذهاب حيث ترى أن ذلك يقوى من شخصية الطالب وتفاعله مع كل القضايا التى تهم بلاده وعلى ذلك الحضور سنعطى درجات . فكانت بالنسبة لنا ونحن فى ذلك العمر نوعا من التباهى فذلك دليل على أننا أصبحنا كبارا ، فذهبنا بقمة الفرح ولكن لم يكن هناك أى انتظام فى صفوفنا ولأن الجموع والمدارس كانت كثيرة جدا فقد كنا انا وصديقاتى اثنين لم نلتقى بأى فرد من مجموعتنا وسط ذلك الزحام الرهيب ، ولم نعرف مكان المعلمة المشرفة وكذلك لم نعرف وسيلة الترحيل التى حملتنا الى مكان الإحتفال ، وكذلك لا نعلم أين مكان المواصلات فقد كنا صغارا ولا نتحرك إلا برفقة افراد الأسرة ولكن عدنا بعد نضال ، وعند الصباح إكتشفنا أن مجموعة كبيرة من طالبات مدرستنا حدث معهن نفس الموقف ودون ادنى إعتزار عن هذه الإهمال لنا او لأسرنا الذين وافقوا على ذهابنا فنحن برفقة المعلمة .
زاوية أخرى : هنا فى كندا فى الأسبوع الماضى كان هناك يوم الفيلم الكندى عبر السينما ، وعادة ما ينتظم كل المهاجرين الجدد فى هذه الدولة الجميلة (وجمالها الذى اقصده هنا بإحترامها لقيمة الإنسان قبل أى شئيا آخر ) فى مدارس ومعاهد وكليات لدراسة اللغة بصورة جيدة لكى يتعلم كل القادمين الجدد لغة الدولة من اصحاب اللغة نفسهم ، فقال الأستاذ(Glen) مشرف مجموعتنا : ستقوم المدرسة بأخذ الطلاب القادمين الجدد لحضور يوم الفيلم الكندى ، وقد إستعراض لنا مقدمة عبر شاشة الفصل (بروجكتر) فكرة عن الأفلام المعروضة لنأخذ خلفية عنها ثم بعد ذلك قام بالتصويت على الأفلام فكنا ثلااثة مجموعات إختارت كل مجموعة منا
فيلم وفى اليوم الذى يسبق الذهاب الى السينما ، تم توزيع فورمات علينا تكتب عليها جميع بياناتك من إسم وأقرب شخص يمكننا الإتصال به فى حالة حدوث أى مكروه لا قدر الله ، ثم رقم تلفونه وإمضائك على انك انت من وافقت على حضور الفيلم ثم هناك إعلام قد تؤخذ مننا صورا لتوثيق اليوم ، فعليك الإدلاء برأيك هل توافق أم لا ؟ فلا تؤخذ صورة منك عشوائيا؛ ثم بعد ذلك تحديد مواعيد الحضور وتحديد مواعيد تحرك الباص المدرسي من امام المدرسة .
جاء يوم الفيلم وكان الأستاذ (Glen) كعادته يسبقنا (ونحن حااليا نُعتبر راشدين ونستطيع تحمل مسئولية انفسنا ) وقد كان واقفا على عدد الطلاب الحاضرين وعدنا او حسابنا بعد حضور كل طالب ينضم للمجموعة ، صعدنا الى البص ، وتم نداء اسمائنا واحدا واحدا ، عند الوصول الى السينما كان فى إنتظارنا الإعلام لتوثيق اليوم ، وتم توزيع التذاكر علينا ، ثم إدارة السينما التى رحبت بنا عبر مسرح شاشة السينما قبل بداية عرض الفيلم وأنهم سعيدين بوجودنا بينهم وأننا سنصبح جزءا من كندا ، ثم تم عرض الفيلم ، وعادت المذيعة المسئولة ومعها كاتبة الفيلم وطرحت فكرتها فى الفيلم وسألتنا عن رأينا فى الفيلم وما هى الإيجابيات والسلبيات فيه ، وكان هناك هدايا للمتبرعين بإجابة بعض الأسئلة التى تم طرحها علينا ، وبعد نهاية العرض والتقييم مع الكاتبة توجهنا الى الصالة الخارجية حيث كان الأستاذ فى انتظارنا وكما فعل من قبل ، قام بنداء اسمائنا فردا فردا ، وصعدنا الى البص المدرسي ، وعدنا الى المدرسة ، وكان اليوم التالى كتابة الموضوع عن الفيلم الذى شاهدناه وأن نتكلم عن كل ما وجدناه من إيجابيات وسلبيات بكل صراحة وهل نود الذهاب مرة أخرى ؟ إنتهى
ما ذكرته فى الحالتين ليس من واقع الخيال بل تجربتين مختلفتين وفى فترات محتلفة من العمر ، الأولى كنا لا ندرى ولا نعي شئيا والثانية والحمد لله رشدا وعاقلين!! إختلفت البلاد والنظام ، لكننا نظل نحن نفس الأشخاص القادمين من دول لا تعرف قيمة الإنسان ولا تهتم برعايته بل تستنزف ممتلكاته ، للعلم كل الرحلة الثانية المذكورة لم ندفع فيها ولا قرشا واحدا .
حقيقة لا تنهض الدول إلا بعد أن تضع الإنسان فى المقام الأول من إهتمامها ، وأنه كلما كان إجتهادها فى الإنسان كلما كانت الدولة ناجحة متطورة تعرف ما تريد بحق .
وكذلك سيعتاد الإنسان على انه مهم وان تمسكه بحقوقه ليس من الأشياء المنكرة ، بل مشروعة تماما ودون خجل فيها ، تستطيع ان تقاضى أكبر موظفين الدولة فى ابسط حقوقك وأنت لا ينتابك خوف ولو بلمح الخاطر وعلى ثقة حقك محفوظ .
استوعبت تماما من هذين الموقفين لماذا نحن من الشعوب الضائع حقوقها ، لأننا لم نجعل قيمة لأنفسنا بصورة مُلحة ومتفقين عليها بأن الحق ليس عيبا كما تفهمنا حكومتنا أن المطالبة بالحق خروج عن الوالى !!!؟ فالحكومات تتهاون دائما عندما تكون الحقوق مُهملة وغير ُمطالب بها ، فلا تجعل للإنسان وضع او قيمة ، فمن يتنازل عن حقه لا يسأل عنه غيره ، فأذا لم تمسك بحقوقنا و تركنا المجال لكل مستهتر أن يأخُذه تحت أعيننا ، قيمة الفرد لنفسه هى التى تخلق فى داخله الثقة ، وهى التى تساعده فى المطالبة بحقه وهو مرفوع الرأس لا يخاف ولا يخشى فى الحق لومة لائم .
عدم السعادة والإستياء الدائم من الحياة ، ووجود اليأس والإحباط كل تلك الأحاسيس لا تأتى من فراغ ، وإنما تنتاب الإنسان عندما لا يعلم ماذا يريد ، وكيف يريد ، وعند من ما يريده ، اى أنه يعرف الموضع الصحيح لقدمه لذلك تكون خطاه موزونة ومدروسة ومن المؤكد انها محققة ، لنعترف بأنفسنا اولا واننا نستحق فستسهل علينا كل المطالب وسنسعى لتحقييقها وسننالها ، فالحياة ملك للجميع .
ودمتم …………..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..