علي عثمان والاعتذار

محجوب عروة

لدي رؤية أخرى حول تصريح الأستاذ علي عثمان محمد طه، بأنه لن يعتذر عن انقلاب الحركة الإسلامية على الشرعية والديمقراطية.

تقوم هذه الرؤية بالاستفادة منها للدفع باتجاه تحقيق توافق وطني، مثلما حدث في جنوب أفريقيا بتحقيق الاعتراف بالخطأ، فالمصارحة والمصالحة بين جميع القوى السياسية السودانية، حيث أنها جميعاً وليس الحركة الإسلامية وحدها قد أخطأت جميعاً خطأ فادحاً، حين اخترقت الجيش السوداني ودفعت به في أتون الصراعات السياسية، وحاولت تحويله من جيش قومي يقف على مساحة واحدة من الجميع، إلى جيش يدعم هذا الحزب أو ذاك منها ما فشل مثلما حاول رئيس الوزراء السيد عبد الله خليل الاستعانة بالجيش السوداني، وطلب من الفريق إبراهيم عبود استلام السلطة نكاية في الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، حين ظن خليل أنهما يعملان على اسقاط حكومته بدعم مصري، نكاية في الإمام الصديق المهدي حين شعر بأنَّ الإمام سيطيح به من رئاىسة حزب الأمة، فقرر عبد الله خليل عام 1958 أن يتغدى بهم جميعاً قبل أن يتعشوا به. وكان (البيه) عبد الله خليل يظن أن قادة الجيش والرئيس عبود سيكونون طوع بنانه، ولكن لم يحدث ذلك واستقل نظام 17 نوفمبر بقراره رافضاً أية وصاية عليه، وكان (البيه) أول ضحاياه عندما اعتقله النظام وأرسله مع زعماء المعارضة إلى سجن ناقشوط في الجنوب..

ثم استعانت وتحالفت قبائل اليسار من شيوعيين وقوميين عرب وناصريين وبعثيين ببعض صغار الجيش السوداني وساهمت في انقلاب 25 مايو 1969، ولكنها اختلفت وتنافست على مفاصل السلطة بعد نجاح الانقلاب مع النميري الذي شتتها وضربها بعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971.

الاتحاديون هم الوحيدون الذين لم يعملوا انقلاباً عسكرياً لطبيعة حزبهم وقناعاتهم الثابتة بالديمقراطية، ولكن تعاون كثير من قياداتهم مع نظام مايو ودعموه وصار منهم وزراء وقيادات في الاتحاد الاشتراكي.. وأخيراً جاء انقلاب الحركة الإسلامية المعروف باسم الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989 والذي يرفض الأستاذ علي عثمان الاعتذار عنه، ولو كنت مكانه لبادرت بالاعتذار وطلبت من الآخرين الاعتذار عن انقلاباتهم ودعوته لهم للحوار والمصارحة والمصالحة.

لعلَ أهم ملاحظة في جميع تلك الانقلابات الناجحة والفاشلة أنها جميعاً تقع في مستنقع الخوف المتبادل، وأزمة الثقة بينهم جميعاً التي حدثت بين جميع القوى السياسية، ومنها العنصرية ومنها ما كان مدعوماً من دول وأنظمة إقليمية ودولية، ولكنها فشلت جميعها والحمد لله.

إذا أخطأ الجميع ولا أقول ذلك تبريراً للحركة بل تحليلاً موضوعياً مستقلاً مع إقراري بأن سلوك ونهج الحركة في الحكم كان الأسوأ، ورغم ذلك أدعو الجميع ليكون الاعتراف والاعتذار لكل الانقلابات والأخطاء التي وقعت منهم منطلقاً للحوار، والتصارح والتصالح والتوافق على الثوابت الجديدة والحد الأدنى الذي يحقق أولاً قومية جميع القوات النظامية، ويوقف العمل المسلح ويحتكر الجيش وحده السلاح كما كان. وليتشكل المستقبل على أسس جديدة قوامه الحكم الرشيد والديمقراطية المستدامة ودولة العدل والتساوي، وسيادة حكم القانون ودولة المؤسسات المفضية للاستقرار والسلام والازدهار الاقتصادي..

أفضل ليقلْ الأستاذ علي عثمان ذلك بدلاً عما صرح به فتلك الحكمة وكياسة السياسة.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..