ترمب بين القيم النبيلة والجشع المالي

محجوب عروة

من المعروف أن أمريكا كنظام وشعب كانت معظم شعوب وأنظمة العالم تقف معها وتكن لها إعجاباً أو احتراماً واسعاً خاصة في فترة الرئيس جون كينيدي وذلك عندما كان الصراع محتدماً بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة عقب الحرب العالمية الثانية سيما وقد ساهمت الولايات المتحدة مساهمة كبيرة وحاسمة في هزيمة النازية والفاشية.

لم يكن ذلك الإعجاب بسبب القوة العسكرية والنووية والاقتصادية والعلمية الأمريكية التي كانت تتمتع بها فالاتحاد السوفياتي لم يكن أقل منها قوة عسكرية ونووية أو قوة اقتصادية وعلمية بل سبق أمريكا في الفضاء وتفوق عليها في البداية ولكن كان إعجاب شعوب العالم وأحراره لأن أمريكا يقوم نظامها على الحرية والديمقراطية وسيادة حكم القانون.. حدث هذا رغم أن أمريكا مثل غيرها ارتكبت أخطاء عديدة في العالم مثل قنبلة هيروشيما وناجازاكي في اليابان ثم غزو فيتنام وغير ذلك من الأخطاء مثل المعاملة السيئة للسود.. ولكن لأن أمريكا سادت فيها الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وحرية الصحافة والفصل بين السلطات وقدر كبير من حقوق الإنسان فقد كان ذلك حافزاً لأحرار العالم أن ينحازوا لها رفضاً وكراهية في الأنظمة السلطوية الديكتاتورية الظالمة الفاسدة التي هي أسلحة الدمار الشامل الحقيقية للشعوب أكثر من القنابل النووية..

نعم القوة المعنوية والأخلاقية وليست القوة العسكرية ولا الاقتصادية و لا حتى العلمية هي سبب إعجاب الناس بأمريكا وشعبها.. ولكن حين يأتي رئيس أمريكي يجعل مقياسه الوحيد هو المصالح الاقتصادية والرشاوى المالية وليست القيم الإيجابية المعنوية والأخلاقية المحترمة فمثل هذا الرئيس ينحدر ببلاده إلى الحضيض بل يعطي رسائل سالبة بأن أمريكا قد انهارت اقتصادياً وصارت في مستوى من العجز والضعف الاقتصادي لدرجة تستجدي المال وتطلبه بأية صورة كانت فذلك كفيل بأن يجعل أمريكا تنحط كدولة وشعب إلى أسفل سافلين من أجل حفنة دولارات!!

إن ما يفعله الرئيس ترمب اليوم سيجعل شعوب العالم تنظر إلى أمريكا كدولة انتهازية قد انحطت أخلاقياتها وتجاوزت قيمها من أجل المال والمال وحده .

ورغم ذلك فإننا متفائلون بأن هناك في أمريكا شعب واعٍ ونخب محترمة لا تقبل بهذا الانحطاط الأخلاقي والسياسي ولا المسلك الانتهازي. فبفوز الديمقراطيين وسلوك كثير من الجمهوريين الشرفاء مؤخراً اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن ترمب يعاني من الشعبية الحقيقية ومن المؤكد سيتضح ذلك في الدورة الرئاسية الثانية بعد عامين إن لم يحدث ما هو متوقع قبل ذلك من مفاجآت ضده من مجلس الشيوخ بسبب رعونة تصرفاته وتجاوزه للقيم الأمريكية الإيجابية.. الجشع مصيره معروف.. قال الشاعر:

قد يعشق المرء من لا مال في يده ويكره القلب من في كفه الذهب

ما قيمة الناس إلا في مبادئهم لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب

إذا امتلأ كف اللئيم من الغنى تمايل إعجاباً وقال أنا أنا

ولكن كريم الأصل كالغصن كلما حمل أثماراً تواضع وانحنى

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..