ماذا تبقى؟

«ضبط عصابة تدرب الأطفال على نشل هواتف المواطنين»….عنوان رئيس لخبر أوردته صحيفة السوداني قد يبدو هذا الخبر لدى الكثيرين عادياً مثله ومثل أي جريمة عابرة في حياتنا اليومية، خاصة إذا نظرنا للحدث من زاوية النشل والسرقة التي تحدث للهواتف، إذا كان الخبر يتحدث عن عصابة متخصصة في سرقة الهواتف لما لفت انتباهاً ولما أثار فضولاً ، ولما استحق النشر في الصفحة الأولى ناهيك عن احتلاله مساحة من المساحات المخصصة للعناوين الرئيسة في الصحف السياسية…لا شك أن في الأمر مؤشرات وأبعاد كثيرة تعكس خطورة الحادثة، ومن هنا تبرز الحاجة للإجابة على السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: لماذا وقع الأطفال لقمة سائغة في يد العصابة؟ ولماذا استجابوا أصلاً وانصاعوا لرغبة العصابة؟ فهل ذهبت هذه العصابة إلى مدارس هؤلاء الأطفال وانتزعتهم من فصولهم أم وجدتهم حائرين هائمين على وجوههم يتعثرون في الطرقات بلا دليل ولا هدى ولا كتاب مبين….؟..
في رأيي العصابة (ماغلطانة)، فهي أصلاً جماعة إجرامية منحرفة تمارس الإجرام وكل ماهو قبيح وهذا دينها ومنهجها في الحياة، فإذا رأيتني اترك أبواب متجري مفتوحة على مصرعيها، واترك ما بداخل الخزانة يغازل اللصوص فهل تلومهم؟…وأما أغلبية الأطفال اليوم فأمرهم غريب جداً وحالهم يُغني عن سؤالهم ، أعداد كبيرة منهم أصبحت فاقداً تربوياً، فاتجهوا نحو العمل ، وأسر كثيرة أطلقت العنان لأطفالها كي يبحثوا عن العمل ومصادر الرزق خاصة في القرى والأرياف البعيدة حيث يقل الاهتمام بالتعليم ، وقد شاهدتُ بنفسي في قريتي قبل شهرين كيف يتداعى الأطفال لحصاد السمسم ويتركون المدارس…
الظروف الاقتصادية الضاغطة والضائقة المعيشية القاتلة ، وحالة الغلاء المجنون الذي لم تعد تطيقه حتى الأسر الميسورة، كل ذلك يمثل أكبر محفز للأطفال لينحرفوا ويقعوا فريسة في أيدي العصابات الإجرامية…الوضع الاقتصادي المأزوم يغري ويساعد العصابات الإجرامية في استقطاب واستغلال الأطفال لتنفيذ كثير من الجرائم بعد التخطيط المحكم من الرؤوس المدبرة، ولعل هناك ميزات كثيرة في عمليات استخدام الأطفال في تنفيذ الجرائم بشكل غير لافت فضلاً عن أن القضاء لا يحاكم الطفل القاصر…
إذا استمرت الأوضاع الحالية وضغوط الحياة وهذا الغلاء المتصاعد فإن كثيراً من الأسر ستفقد السيطرة على أطفالها وتصبح أمام معادلة صعبة للغاية، فإما أن تسمح لهم بالخروج للعمل للمساعدة في تكاليف الحياة القاسية أو تتركهم للحاجة التي سوف تضطرهم وأسرهم للتسول بشكل أو آخر…في تقديري أن القضية تحتاج لوقفة صلبة وقوية من الدولة بإقامة مشاريع ترعى أطفال المدارس وأن يكون هناك دور كبير لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية والطوعية بتقديم العون والمساعدات لتلاميذ المدارس حتى لا تستغل العصابات الإجرامية حاجتهم وأسرهم ، فإذا تبنت الدولة مشاريع كهذه وتكفلت برعايتها يمكن أن تحد بشكل كبير من تمدد هذه الظاهرة المزعجة التي لا تخرج من إفرازات الفقر والعوز الناتج عن الأزمات الاقتصادية والضائقات المعيشية….اللهم هذا قسمي فيما املك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.

الانتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..