لا فرق بين زواج المزاد والاتجار بالبشر

العرس خلوهو ساهل
كل عازب يبقى عاهل
ده البدور الغالي جاهل
ربنا الناقص بتمو
يا شباب العصر همو
وجدت نفسي ادندن بهذه الكلمات التي جادت بها أنامل الشاعر الكبير هاشم حسن الطيب، وانا اتابع ذلك الزواج الاسطوري الذي جمع ثلاثة اشخاص في معركة حامية الوطيس … عفواً، أعني في منافسة شرسة من اجل الظفر بفتاة صغيرة لم تبرح عمر الطفولة بعد الي السن الرشد بنص القانون، ومن ضمن المتنافسين دستوري كبير ورجل أعمال شهير انتهت بفوز الاخير بالمزاد دون الاخرين، اذ بلغت تكلفته “٥٠٠” راس من البقر وثلاث سيارات لاندكروزر ماركة (V8) بالاضافة الي الألآف من الدولارات حسب الخبر المنشور بموقع راديو التمازج وبعض المواقع العالمية التى اهتمت بالأمر.
بالطبع ما كان للحدث ان ياخد كل هذا الزخم الأعلامي لو ألتزمت اطرافه بادارته بعيد عن وسائط الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، غير ان هذه الاطراف تعمدت التشهير لدرجة قام احدهم (قيل انه تربطه صلة لصيقة بالفتاة) بفتح مزاد علني على موقع الفيس بوك بغيه التسويق لفتاته عبره في سابقة هي الاولى من نوعها، وقوبل الأمر بشجب واستهجان كبيرين، اقليمياً وعالميا مما حدأ بالموقع ان يحزف المزاد وصاحبه من على صفحاته، واختتمه باعتذار مكتوب لجميع مشتركيه.
ولكن ما يؤسف له حقا! هو خروج بعض من بني جلدتنا ليدافعوا عن (الباطل) بمنطق عقيم وطفقوا يرددون كالببغاوات ان (مزاد البنات) عادة شائعة وضاربة في القدم في المجتمع الجنوبي، بل وتوغلوا في التبرير الفطير لدرجة ان استغربوا استغراب العالم غير المبرر لاقدم عاداتهم الراسخة!! (عليكم الله ده منطق؟)، وهو ذات النسق الذي سار على ركبه الكثيرون بينما الزمت تنظيمات المجتمع المدني وكل التنظيمات الحقوقية في البلاد صمت القبور وكأنها لم تسمع بالحدث الذي وصلت صداءها مشارق الارض ومغاربها.
ان ما زاد الطين بله هو مشاركة شخص يشغل موقعا دستوريا مرموقا (نائب حاكم) بحاله في هذا المزاد العلني وهو شخص يفترض به – في اضعف التقدير – انه ملم بالمواثيق الدولية التي تمنع هكذا ممارسات اذ يمثل هو بحكم موقعه التنفيذي شريك موثوق في تطبيق تلك المواثيق للحد من انتشار كل الظواهر السالبة المنبوذة عالميا، ولا احد يتوقع ان يكون هو صانع اصيل لتلك الظواهر.
سؤالي هو: ألم يسمع سيادته ولو مرة بمواثيق الامم المتحدة التي تمنع الاتجار بالبشر وكلها مواثيق صادقت عليها جنوب السودان بل وضمنتها في دستورها؟ اذا لم يسمع فهذه مصيبة، وان سمع فالمصيبة أكبر، ولكن لا ضير ان نطلعه بعجالة على بعض منها تفيد المادة الثالثة من البروتكول التى صادقت عليها جمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الخامسة والخمسون عام ٢٠٠٠م ” اقتباس “يقصد الاتجار بالبشر” تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، وفي المادة الخامسة التجريم اذ تقول: تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم السلوك المبين في المادة 3 من هذا البروتوكول، في حال ارتكابه عمدا … انتهى الاقتباس، وبين قوسين (اياك أعنى يا جارة فاسمعي).
بذات الحجة نفسها نرد على مدافعي المزاد الذين ملأوا الاسافير ضجيجا بمنطق فطير، نقول لهم، ليس كل عادة قديمة يفترض لها ان تكون صيحية! لا وألف لا بل جلها نتجت عن جهل مبين، وتحتاج منا الي مراجعة شاملة وكاملة حتى توافق العصر الذي نعيش فيه، وفي الواقع لنا عادات وموروثات كثيرة تخلينا عنها عندما تبين بطلانها، على سبيل المثال عادة الشلوخ في الرأس وقلع الاسنان اصبحت تنحصر تدريجيا في المجتمع وشبه منعدمة تماما وسط الشباب، ولم نسمع من يدافع عنها كما يفعل هؤلاء حاليا مع هذا الحدث، ياترى هل الموروثات عندهم (خشم بيوت؟).
والشيء الآخر كان اجدادنا القدماء يسيرون “عرايا” كما ولدتهم امهاتهم، فهل يستطيع اي من (مدافعي المزاد) ان يسير عرياناً في الشارع تقديسا وصوناً للعرف الموروث؟ والمحير في أمرهم! نراهم وقد ضاقت صدورهم عندما اعاد الاعلام الخارجي صياغة خبر (زواج المزاد) بالطريقة التي قرأناها وسائط الميديا، اذ قيل انه لايزال في جنوب السودان سوق للرق يباع فيه البشر في مزاد علني عبر الاسافير، فاذا كان هؤلاء يستكنرون حقا بشاعة الخبر بهذه الصيغة، فالاولى بهم ادانة بشاعة (المزاد) نفسها، وكل من شارك ويشارك فيه دون حاجة للتلاعب بالالفاظ، وينأوا بانفسهم من حكاية هذه عادتنا القديمة، انه العذر الاقبح من الذنب نفسه سادتي.
سايمون دينق [email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..