أين من عينيك هاتيك (الليالى )؟ا

أين من عينيك هاتيك (الليالى ) ؟!
صوفيا حسن
[email protected]

لست مؤرخة ، ولا أدعى المعرفة بمتطلبات كتابة التاريخ التى تعتمد على مصادرها الأولية والثانوية . ولكن كانت من ضمن هوايا تى أن أهرع إلى ذلك الركن من منزلنا فى بلد الإغتراب الذى كان يجتمع فيه والدى مع مجموعة من أصدقائه الحميمين من الذين ينحدرون من مناطق عدة فى سوداننا الحبيب . كانوا يمكثون الساعات الطوال يجترون الذكريات عن سودان يصورونه كحلم بلاشك مختلف عن سودان أبناء جيلى من الذين كتب لهم القدر أن يخرجوا من دكتاتورية قضى الحاكم فيها ستة عشر عاما ظن معها أنه قد تمكن إلى دكتاتورية حكم لازال فيها النظام وطوال أكثر من عقدين من الزمان يبحث عن التمكين ! وصدق ابو فراس الحمدانى حين أنشد قائلا:
إلى الله أشكو أننا بمنازل … تحكم فى آسادهن كلاب

المهم عندما كان يحكى والدى والأصدقاء عن سودان الستينيات من القرن الماضى كانوا وكأنهم يصورون بلد آخر غير الذى أعرفه أنا وأبناء جيلى . وسآخذكم معى فى رحلة هى نتاج مادونته مماسمعته فى تلك اللقاءات . كان بالعاصمة السودانية أندية جاليات كالنادى السورى والنادى الإغريقى والنادى الإيطالى والأمريكى والألملنى والكاثوليكى والنادى العربى و نادى ناصر الثقافى . وكانت هناك جاليات كثر من هندية وأرمنية ويونانية وإثيوبية وإريترية ومصرية ولبنانية ورغم تلك الغزارة كانت تربط بين تلك الجاليات والسودانيين محبة وإحترام متبادل . وكان أبناء السودان يتواجدون بأندية تلك الجاليات ويشاركون فى مناشطها الرياضية والقومية . كما كانت هناك أندية للخريجين ومراكز ثقافية مختلفة تشبع نهم أبناء السودان من المتعطشين للتعرف على ثقافة الغير . وكان شارع الجمهورية فى قلب الخرطوم يعج بالمارة من قبل مغيب الشمس وترى الناس زرافات ووحدانا كل فى ثوب قشيب وروائح العطر تنساب من كل مكان ، إلى الدرجة التى إفتتح فيها محل لبيع العطور يسمى ” دلكه ” تباع فيه الدلكة ومكوناتها . كما كانت هناك مقاهى منتشرة فى وسط الخرطوم مثل “أتينيه” و ” المحطة الوسطى ” بالإضافة إلى الفنادق بمطاعمها التى تقدم فاخر الطعام مثل ” صحارى ” و ” إكسيليسيور” ومحلات السندوتشات مثل “محلات زكى ” و” الفردوس ” و ” المحطة الوسطى ” وكانت المكتبات عامرة مثل ” سودان بوكشوب ” وكانت معاهد ومراكز اللغات الأجنبية ” المركزالفرنسى ” و ” المركز الأمريكى ” و ” معهد جوته “. وكانت الأندية الليلية مثل ” سان جيمس ” و ” جوردون ميوزيك هول ” . وكانت المحلات الفخمة التى يجد فيها المتسوق مبتغاه مثل ” جلبرت ” و ” محلات ميرزا” و “قزاز ” و” تحت الأضواء ” و”المعروضات المصرية ” و ” البون مارشيه “هذا بالإضافة إلى ” المسرح القومى ” الذى وصل إلى حد أن كانت تتوارد عليه الفرق الأجنبية لعرض مسرحياتها لدرجة أن كانت هناك عروضا قدمت فيها رقصات وتزلج على الثلج فوق خشبة المسرح !. هذا بالإضافة إلى دور السينما فكانت ” سينما كلوزيوم ” و ” الوطنية غرب ” و ” البلونايل (النيل الأزرق )” علاوة على دور السينما فى أم درمان والخرطوم بحرى . وكانت العاصمة تسهر إلى قرابة مشرق شمس اليوم التالى . كل ماذكرتة بالإضافة إلى معالم كثيرة أخرى تجعل السودانى يستعير قول الشاعر ويتعجب قائلا : أين من عينيك هاتيك ( الليالى) ؟!
لاحظت أنهم عندما كانوا يتحدثون عن سودان قبل نصف قرن كأن لسان حالهم يقول بما نادت به السيدة أم كلثوم حيث غنت قائلة: قول للزمان إرجع يازمان !
ثم فجأة ارى أحدهم يقوم من جلسته ويضع شريط غناء فى المسجل فيصدح الفنان محمد وردى:
قلبى الحابيك ماخان لياليك
ماناسى الماضى ماتقول ناسيك
مابدل حبه أبدا ما إتنكر ليك
. . . . . . . .
يانور العين إنت إنت وينك وين !

كنت أرى الدموع تسيل من الأعين وأتعجب فى صمت . هل كان السودان بتلك الحلاوة والطلاوة التى تجعلهم يذرفون الدمع عليه وهم يتمايلون مع لحن الفنان محمد وردى ؟! ثم إذا كانت الدول تتقدم والبلاد تتطور ، ماذا حدث لسودان ولأهل سودان ذلك الزمن ؟! هل أصابهم تسونامى لم أسمع عنه ولم تتناوله كتب التاريخ ؟! أم نزل عليهم غضب الله وحل بهم ما أصاب قوم عاد و ثمود؟! ثم من الذى شيد ذاك البلد الجميل الذى كانوا يتحدثون عنه ويبكون عليه ، وأين ذهب ذلك الجمال وتلك الروعة ؟! وهل خراب النفوس إنعكس على خراب الديار؟! أسئلة أوجهها مع صوت لوم إلى كل سودانى من أبناء ذلك الزمن الجميل !

تعليق واحد

  1. السودان الذى سمعتى عنه كان سودان جيل الاستقلال ورياح اكتوبر وهذا السودان بدا يتلاشى رويدا رويدا يوم ظهر فى سمائه حسن الترابى والصادق المهدى ومحمد عثمان الميرغنى ونقد واشياعهم واحزابهم يومها بدا يطل السودان الحزين واخذ صورة الحزن الكاملة حين سرقته العصابة وانزوت به تاكل جسده جحدته على ابنائه فخرجوا هائمين اوانطووا على احزانهم
    هل سيعود؟

  2. صباح الخيرات والجمال عليك استاذه صوفيا وعلي الاخ حسين ابوزيد
    ليه كده بتصحي وتهيجي فينا ذكريات الزمن الجميل النحنا حضرنا منه جزء الكبير ومن مقالك ده الواحد عرف انو بالفعل خلاص وصل مرحلة الشيخوخه وحليل القطر يوم بابورو صفر
    بالنسبه لاندية الجاليات الاجنبيه كان ليها دور اجتماعي لانو بيقام فيها اعراس السودانيين ومرات المعارض الفنيه وسقط سهوا اهم ناديين الارمني والقبطي
    انتي عارفه سودان بوكشوب ده اصلا اسسه المؤرخ نعوم شقير وفي الاخير تم بيعه الي اسرة عبده تادرس القبطيه ودي مكتبه كانت فظيعه جدا ايام مجدها عايزه اي كتاب باللغه الانجليزيه بتلقيهو فيها وعندك كمان مكتبة مروي بوكشوب برضو بتشتغل علي الكتب الاجنبيه في الغالب وعندك كمان المكتبه الاهليه ودي كانت فيها كتب الاطفال وقفلت زمان في اول الثمانينيات
    محلات ميرزا دي متخصصه في الادوات الرياضيه وكنا بنشتري منها ادوات صيد الاسماك ايضا ومكانها القديم امام المحطه الوسطي في نفس مكان الخطوط التونسيه واخر مره اشتريت ادوات صيد اسماك كان من مكانهم الجديد في نمره 2 وحتي قابلت عادل ميرزا الراجل قعد يروي لي باكتئاب وتحسر الحاله المزريه الوصل ليها شغلهم نتيجه لكساد البلد وقعد يتحسر علي الزمن الذي ولي ومضي(طبعا ناس ميرزا ديل هنود مسلمين)
    اتينيه عباره عن كافتيريا وكوفي شوب علي طراز كوفي شوبات اثينا في اليونان
    جوردون هول ده بالعربي كده كباريه ويقال ان اول من رقصت فيه في ثلاثينيات القرن الماضي الراقصه الشاميه بديعه مصابني ودي كانت نجمه رقص رقم واحد في العالم العربي
    طبعا سان جيمس عباره عن بار
    جومشيان وجيلبرت دي محلات ادوات منزليه وصيني وكريستال وعدة مطبخ واصحابها ارمن
    مقالك الجميل بيلخص حالة هوم سيكنيس ودي حاله طبيعيه بتصاب الانسان عندما يشتاق للوطن وربنا يجمعكم جميعا ياايها البلوم المهاجر وترجعوا تبنوا عش الوطن من جديد
    ملحوظه الاماكن الجميله الانتي ذكرتيها دي كلها اسسوها خواجات شئ ارمن وشئ اغريق وشئ طلاينه وكمان اقباط وسوريان وسوريين ولبنانيين وده يدل علي ان السودان كان بلد جاذب لجميع الاجناس وبلد امن وامان
    اللهم اعد لنا وطننا الس سيرته الاولي واحفظه من كل شر واجعله مرفوع الرأس بين الامم فسبحانك نعم المولي ونعم النصير

  3. الأستاذ الفاضل/ حمزه
    الأساتذة الكرام
    أشكركم على تعليقكم القيم
    لقد إتصل بى أحد أصدقاء والدى وتحدث كثيرا عن السيد / عادل ميرزا موضحا أنه كان فتى خلوقا حباه الله بفيزيك رياضى . وكانا معا يمارسان رياضة " رمى الرمح ، رمى الجلة و رمى القرص " فى فناء جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، قبل بدء الدراسة ببضع ساعات . كان ذلك كما ذكر تحت إشراف مدرب مصرى يدعى " يونس " . كما تحدث كثيرا عن جامعة القاهرة وطلاب الجامعة فى تلك الفترة . ذكر منهم فيما ذكر الدكتورة (حاليا) صفية صفوت .والمحامى عباس الأمين ، والمحامى نبيل أديب عبد الله والمحامى مصطفى عبد القادر ، والمحامى المرحوم حسن عبد الماجد والمحامى المرحوم بدر الدين مدثر ،والدبلوماسى محجوب رضوان ، وحسن كيشو والمحامى معاويه أحمد الشيخ ، والمرحوم كمبلاوى وبكرى الصايغ والمسرحى المرحوم ميزو والسباح كيجاب ، بالإضافة إلى الإعلامى أبوبكر عوض وعبد الكريم قبانى والشاعر سيف الدسوقى ، والشاعر عمر قدور والممثلة بلقيس عوض والأستاذة/ حواء مالك والأستاذة/ بدرية سليمان حسين . وكوكبة أخرى بكل أسف لم أسجل أسماؤهم .
    أضاف ذلك الصديق وهو يبكى: ياصوفيا يابتى مالك علىّ ؟!! أنهيت المكالمة كى لايطول الألم . وتبقى الذكريات نضمد بها جراح واقعنا المؤلم فى ظل نظام التوجه اللاحضارى ولا أخلاقى! عل سوداننا يقوم من تحت الركام !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..