المخدرات جبهة حرب أخرى..!!

منذ سنواتٍ والحكومة سنوياً ترسم صوراً قاتمة ومرعبة لانتشار المخدرات تعاطياً وتجارةً، وظلت سنوياً ترفع الاستعداد لمواجهتها، وكلما فعلت ازدادت هي ضراوة حتى أصبحت أحد القضايا التي تهدد استقرار المجتمع، وحملاً ثقيلاً يقع على عاتقه وهو أصلاً مأزوم في اقتصاده ووضعه السياسي. وهنا تكمن العلة التي سهلت للمخدرات الانتشار وهي دوافعها الاقتصادية ويهيئ لها مناخ الانتتشار عدم الاستقرار السياسي وما تتبعه من مشاكل، وهي نفس الأسباب التي ستجعلها تهزم المجتمع وتتمكن منه إن لم يتغير الوضع.

أول أمس قالت وزيرة الرعاية الاجتماعية، إنَّ المترددين على مركز حياة لعلاج الإدمان بلغوا 7 آلاف حالة، بينهم أمهات وأطفال يتعاطون قبل دخول الجامعة. وأقرت بوجود فجوة في علاج الإدمان بسبب فقر الأسر وعجزها عن الصرف على تكاليف علاج الإدمان.

لا شك أنَّ الرقم مخيف فهؤلاء يمثلون جزءاً بسيطاً من أرقام لا تملك لها الحكومة إحصائية دقيقة، ولكن الأمر يكفي لنفهم الرسالة وأنَّها جبهة حرب أخرى، تحتاج إلى أن يكون كل المواطنين مقاتلين فيها ولا ينتظرون الحلول الحكومية فضحاياها هم أبناؤهم.

جبهة حرب المخدرات هذه انفتحت منذ أكثر من عشرين سنة جنباً إلى جنب مع الحروبات الأخرى، ورغم ذلك لم ينتبه إليها المواطنون أو يهتمون بها، والكثيرون يعتقدون أنهم بمنأىً عنها وفي حقيقة الأمر ليس كذلك بل هي تهدد الجميع، ويمكن أن يفاجأ بها أي مواطن في مكانه وهي تقتال أحداً من أحبابه أو أصدقائه أو أهله أو جيرانه، بدليل ما يحدث الآن فالأسر لا تعرف أن أبناءها يتعاطون مخدرات، حتى يصلوا مرحلة الإدمان أو حين يرتكب جريمة.

الحقائق تقول إنَّ المخدرات وجدت طريقها إلى المواطنين في السودان بصورة غير مسبوقة، وارتفعتْ نسبة التعاطي والاتجار فيها لدرجة تثير القلق، خاصة بين الشباب والأطفال حسب التصريحات الرسمية.

تعتبر الجامعات أحد أهم القطاعات التي تطرق المخدرات أبوابها بإلحاح شديد لأسباب يطول الحديث عنها، ولكنها تتلخص في الفقر وعجز الجامعات عن جذب انتباه الطلاب، وهذا لا يعني أنَّ القطاعات الأخرى هي بعيدة عن هذه الحرب، فالمدارس الأساس والثانوي والعمال في مناطق العمل والعاطلون وحتى ربات المنازل وصلتهم، الكل تحت تهديدها. ولسنا بصدد أن نلوم أحداً بقدر ما نريد أن نحذر كل شخص على حدة من مصيبة اسمها المخدرات. أما الحل الجذري فهو بيد الحكومة، وما تقوم به الآن ليس هو الحل الفعال.

مكافحة المخدرات على المستوى القومي تحتاج إلى سياسات عملية وواضحة، من خلال وقف الدافع للعمل فيها عن طريق محاربة الفقر وتوفير العمل وضمان الحياة الكريمة لكل مواطن، وإدخال محاصيل نقدية في أماكن زراعتها، وهذا يقلل من زراعتها وتجارتها، كذلك وقف الدافع لتعاطيها في الجامعات والمدارس بتوفير حياة أكاديمية ممتعة من خلال توفير البيئة الجيدة والمناشط اللا صفية، والمناهج المتطورة المواكبة التي تتناسب مع روح العصر وطموحات الأطفال والشباب، وتوفير الرعاية الاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسي.

كل هذا يجب أن يمضي جنباً إلى جنب مع استخدام القانون فهو لا غنىً عنه في أية مرحلة، أما ما تقوم به اليوم من استخدام للقانون والقوة وحدهما، فهذا ليس حلاً وهي كمن ينفخُ في قربةٍ مقدودة.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..