مأساة حريق سوق أم درمان

أسماء جمعة

صباح الأمس شبَّ حريق هائل في سوق أم درمان وقضى على جزء كبير منه وحقيقة هي كارثة مأساوية، ولا شك أنَّ الأضرار جسيمة والخسارة كبيرة قد تصل إلى تريليونات، ولا أعتقد أنَّ السودان قد شهد حريقاً مثل هذا من قبل .
حين سمعتُ الخبر لم أندهش فقد كنت دوماً أتوقع حدوث هذا، وسبق أن كتبت عدة مرات عن فوضى السوق، فهو دائماً خارج اهتمام الحكومة وغير منظم ومزدحم، ويتم توصيل الكهرباء فيه بصورة عشوائية من قبل شركة الكهرباء ومن المواطنين، ودائماً هناك أسلاك كثيرة ومتشابكة ليس لها أول ولا آخر في جميع أنحاء السوق، وليس هناك جهة رسمية تراقب التوصيلات، وأي ماس كهربائي يمكن أن يؤدي إلى كارثة مثل هذه، وعلى الأرجح يكون حريق الأمس بسبب ماس كهربائي، وربما لسبب آخر لأنَّ الأسباب كثيرة.
في سوق أم درمان رأيتُ بأم عيني (ستات الشاي) يتخلصنَ بعد نهاية عملهنَّ في المساء من رماد مواقدهن في أكوام النفايات، وعادة ما يكون به جمر وأحياناً يتم حرق النفايات داخل السوق. وهناك بعض المحال التي تعمل في بيع الأطعمة تستخدم مواقد مصنوعة محلياً تفتقر إلى مواصفات الأمان. وهناك من يسكنون السوق ويقومون بإعداد الطعام بالقرب من المحال، هذا غير أعقاب السجاير التي تُرمى دون إطفائها في أي مكان.
كل هذه أسباب يمكن أن تتسبب في الحرائق، فهي كما يقال دائماً تأتي من مستصغر الشرر، وربما يكون الأمر بفعل فاعل نتيجة جريمة ما وقعت وأراد الفاعل أو الفاعلون إخفاء الآثار، فقد أصبح كل شيء متوقعاً في هذه البلد المنكوبة.
الحريق أخذ زمناً طويلاً للسيطرة عليه والتي تمت بصعوبة وبعد ساعات طويلة بسبب أنَّ السوق غير مخطط، بطريقة تساعد على دخول سيارات الإطفاء بطريقة سهلة وهذا يعوق عمل الدفاع المدني، وما صعَّب الأمر أكثر هو أنَّ السوق يحتوي على مواد قابلة للاشتعال وسريعة الاشتعال ومبني من مواد تساعد على الاشتعال. ولا شك أنَّ إمكانات الدفاع لا تتوافق مع حجم الحريق، ولكن الأمر يكشف للمرة المليون أنَّ هذا السودان أمام تحدٍ كبير فيما يتعلق بسلامة الأسواق عموماً، ولا بد للحكومة من التفكير في إعادة تخطيطه ومساعدة التجار لبناء المحال من مواد غير قابلة للاشتعال والاهتمام بتوصيل الكهرباء بطريقة جيدة، ومراقبة العاملين في السوق وإلزامهم باستخدام كافة إجراءات السلامة والأمان، أي أن تقوم الحكومة بدورها فقط.
ليست هي المرة الأولى التي يحترق فيها سوق ويخسر المواطنون أموالهم وهي خسارة للبلد كلها بلا شك، ولن تكون الأخيرة إذا ظلت الأسواق كما هي، ولكن الأمر يكشف بوضوح أنَّ معتمدي أم درمان على مدى 30 سنة كانوا قاعدين ساكت، عاجزين حتى عن تطوير سوقها التاريخي الوحيد وهو يقع على مرمى حجر من مباني المحلية، رغم أنهم كانوا (فالحين) جداً في استنزاف التجار بالحق وبالباطل .
عموماً ما حدث قد حدث ومأساة سوق أم درمان كبيرة، ندعو لأصحاب المصيبة من التجار ربنا يعوضهم، ولكن تظل المسؤولية المهمة الآن هي إعادة تخطيط السوق ومراجعة الأجزاء الأخرى حتى لا يتكرر الحريق، وليت المعتمد أبو شنب يهتم بهذا الأمر. وأعتقدُ أنَّ الأمر ليس صعباً خاصة وأنَّ الفرصة جاءت إليه تسعى، ورغم أنَّها بسبب مصيبة إلاَّ أنَّه يجب الاستفادة منها حتى لا تقع مصيبة أكبر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..