الطريق العالي..!!

إن ما نعرفه عن الروابط الموضوعية بين الفن من جهة، وبين مختلف جوانب الحياة من جهة اخرى، هوان الحياة تحمل كثيرا من الجوانب المثيرة والمحفزة، ومن الوسائل والطرائق ما بيح لنا النظر والتامل والاستغراق في التفكير اللا متناهي، وأحياناً نصر على الاعتكاف طويلاً عند ركن من أركانها، إما انسحاباً أو طلباً للمستحيل.
هذا التساؤل لا يخفي تجاهل الحدوس غير الظواهرية، ولا المعطيات الفلسفية والتاريخية، خصوصاً تلك المتعلقة بصراعات البلاد الدموية وانقلاباتها المتكررة وثوراتها المزعومة وانتفاضاتها المسروقة وغيرها من المعضلات والأحداث الجسام والتي لم تنل إلى الآن حظها من الدراسة المحايدة ولا تزال الكثير من أسئلتها حائرة ولديها مائة إجابة وكلها غير صحيحة.
والآن العالم حولنا وبعد ما يقارب المائة عام من حربه العالمية، نراه يفيق من صدمته وينهض للبناء والتعمير والتعافي، بينما نحن لا نزال مصدومين منذ مئات السنين، ونجتر الحديث لممجوج والنواح المشروخ وندب الحظ العاثر والتحسر على الماضي والبكاء على الزمن الذي مضى وبعدها النوم في العسل والشخير بصوت عال.
سيقال إن الصراخ والنواح لازمين تصعيداً للاحتجاج والرفض والإدانة والشجب والاستنكار لما آل إليه حالنا، وانتهى عليه مالنا، وبما يتناسب مع ذروة اليأس والخيبة والخسران المبين.
سيقال إن العالم يعاني من أزمة أخلاقية وانحطاط عام في الذوق والتلقي، ولكن لماذا نحن أقل سخطاً على الفساد والمفسدين، وخصوصاً أن عالم اليوم أصبح مليئاً بالسارقين وبأيدي عصابة من اللصوص المتأنقين هم الأكثر لؤماً ووقاحة على مدار التاريخ، ولكننا لا نزال نمارس الاحتجاج، هذا إن كان ثمة احتجاج أصلاً، وضاع في ذلك الشكل والمضمون، وبالتالي ضاع الفن شكلاً ومضموناً.
والحديث عن تغير الزمن والحديث عن ما يسمى بالزمن الجميل، ما هو إلا محض وهم آمنا به وصنعناه لنمارس من خلاله الزيف والضلال الفني، والإرهاب الفني على جيل اليوم المغلوب على أمره، فالمقاصد المتعلقة بالقيم الأخلاقية لفن الأمس، لا تختلف كثيراً عن فن اليوم..
ولكن يبقى السؤال هل ما درجنا على مناقشته ودراسته، وأقمنا حوله الندوات والدراسات، هل هو في الحقيقة فن أصلاً، بالمعنى المفهوم والمتعارف عليه للفنون، أم أنه كان محض اختلاق وأكذوبة اجتماعية اخترعها قومنا وصدقناها واقتنع بها الكثيرون، وقدسناها حتى لا نحاول ذات يوم اكتشاف السر الذي يعلمه الجميع إلا نحن.
الجريدة