“حريق سوق أم درمان”.. فواجع بالجملة!!

كثيرة مداخل الأسف والأسى والفجيعة في الحريق الذي اندلع فجر أمس السبت بسوق أم درمان، التهمت النيران 300 محل تجاري وأكلت 850 ملياراً و4 ملايين دولار.
اسأل الله أن يعين أصحاب (الدكاكين) المحترقة ويعوضهم ويخلف عليهم إنه قادر على رفع الضرر وجبر الكسر، وليس أمامهم غير الصبر والاحتساب بعد أن فقدوا بضائعهم ودولاراتهم وملياراتهم، رأس المال والأرباح ومدخرات السنين كلها صارت رمادا خلال ساعتين من الزمن.
دائماً ما يفوت علينا الاعتبار بما يحدث، لا نستفيد من التجارب والحرائق والفواجع الكبيرة بما يكفي لعدم تكرارها مستقبلا.
كثيراً ما علقنا على ضعف إحساسنا بالسلامة العامة والمواصفة المطلوب اشتراطها في أي عمل تأمينا للأرواح وحرصا على الأموال والممتلكات.
ربما لم يدر بخلد الذين انشأوا هذا السوق أن يفسحوا على جنبات طريقه الضيق ما يمكن سيارة إطفاء من العبور، لم يؤمن – العقل القائم على الجباية والإكثار من إيصالات السداد ونصب الكمائن للمخالفات – على الأقل أرواح التجار وسلامة السوق من أي طارئ محتمل.
المواد التي ننشئ منها الأسواق توصيلات الكهرباء، بيئة السوق، نشاطه كل ذلك لا يخضع لأدنى درجات الاهتمام بالمواصفات والمعايير اللازمة لتفادي الأزمات والكوارث.
مازلت أدعو كلما مررت بـ(سوق أم درمان العريق) أن لا يحدث أمر يضطر الناس إلى التدافع، مشهد يومي يبعث على الهم والإشفاق، ضيق في المكان، انعدام لمعايير التأمين والسلامة، إصرار على شك الناس على (طريقة الكبريت) في مساحات لا تمكنك من التحرك راجلا، مشهد يتكرر يوميا دون أن يكلف السادة المسؤولون الذين تعاقبوا على المحلية عناء التفكير في ما إذا حدث طارئ كيف يمكن أن يكون الحال؟!.
الكارثة الكبرى التي تسأل منها البنوك وأساطين الجهاز المصرفي تتمثل في حريق الأموال بالعملتين المحلية والأجنبية، هذه فضيحة تتحمل مسؤوليتها المصارف، لو كان يثق التجار الذين التهمت النيران أموالهم في البنوك لما اضطروا أن يحفظوها في المتاجر وتحت الأسِرَّة، وداخل الخزن المنزلية وفي باطن الأرض.
مؤسف جداً أن يفقد تاجر عقله لأن النيران أكلت (تحويشة عمره) 12 ملياراً من الجنيهات في زمن انعدام العملة المحلية ودخولها (السوق الأسود)؛ وفضيحة كببيرة أن تظل سمعة الجهاز المصرفي بهذا السوء الذي يجعل المواطن يفر من خزائنه فرار الصحيح من الأجرب، للأسف الشديد فضل ضحايا الحريق أي خيار إلا وضع المال في البنك والأسباب معروفة بالطبع.
ما حدث في سوق أم درمان فجر الأمس مناسبة ينبغي أن تعيد تفكير التجار في التعامل مع البنوك صاحبة السمعة الطاردة للعملاء، فالأموال مكانها المصارف مهما حدث، ولكن كيف السبيل لإعادة الثقة في ظل الظروف التي يعلمها الجميع.
نتمنى كذلك أن يكون التأمين على المتاجر والبضائع حاضراً في إجراءات الجهات التي تمنح التصاديق لمزاولة العمل في الأسواق، مؤسف أن تضيع كل هذه الأموال دون (تأمين) يضمن إعادتها فيي حال حدوث الحريق أو أية كوارث أخرى، هذه ثقافة إن لم تكن موجودة عند بعض التجار فالأجدى تضمينها في الإجراءات التي تمنح بموجبها تصاديق ممارسة التجارة.
نعم كثيرة مداخل الأسف في حريق أم درمان، ما لم يرقني كذلك الإصرار على تأكيد وجود المعتمد في قلب الحدث لحظة الإطفاء، ماذا كان يفعل سعادته والنيران تلتهم الأسواق دون أن تتمكن قوات الدفاع المدني من الوصول إلى الموقع، طغى حضور المعتمد – حسب أخبار المحلية – على إيراد التفاصيل المطلوبة في تغطية الحريق للأسف ربما لا يكون هذا خياره، لكن التغطية منحتنا الإحساس بأن حضور المعتمد أبوشنب كان أهم من الحدث.. نسأل الله أن يعوض ضحايا الحريق ويعيننا على الاعتبار بما حدث، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اليوم التالي