حريق أم درمان (حريق الشعب)

محجوب عروة

إن أنسَ لن أنسى وأنا صغير لا يتجاوز عمري تسعة أعوام عام 1957 عندما تابعت مظاهرة للحزب الوطني الاتحادي الذي كان يتزعمه رئيس الوزراء السيد إسماعيل الأزهري وكانت تهتف (حريق العملة حريق الشعب) وسبب الهتاف أن حزب الأمة عندما أسقط وزارة الأزهري قام السيد عبد الله خليل بك الذي أصبح رئيساً للوزراء بحرق العملة السودانية الجديدة التي وقع عليها الأزهري كي لا تكون دعاية له ولحزبه أو لعل البيه كان يرى أن التوقيع على العملة ليس من اختصاص الأزهري ربما جهة مصرفية أخرى وذلك قبل تأسيس بنك السودان عام 1961.

تذكرت تلك الواقعة وذلك الشعار (حريق العملة حريق الشعب) في أعقاب مأساة حريق سوق أم درمان وقلت هل يا ترى يشتركان في جوهر تصرفاتنا سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية مثل العناد وسلبيات أخرى نتسم بها كسودانيين وعلى رأسها العشوائية والإصرار على الخطأ وعدم الإصغاء للتحذير المبكر بجانب مظاهر فساد مالي وغياب كفاءة إدارية وسياسية.

ما يؤكد ذلك أن الصحفي النابه بهذه الصحيفة الأستاذ أبوعاقلة أماسا قد كتب موضوعاً استقصائياً ? كما علمت أمس- حول إفادات عديدة وتحذيرات من تجار أم درمان في هذه المنطقة التي وقع فيها الحريق تنبأوا فيها بالكارثة حيث قال أحد التجار إن مخارج السوق ومداخله مغلقة تماماً وإنه حال حدوث حريق فلن تتمكن عربات الإطفاء من السيطرة عليه وهذا ما حدث ولكن ? وآه من لكن- ربما لم يسمع أو يقرأ المسؤولون عن هذا التحذير أو ربما اضطلعوا عليه ولم يعيروه اهتماماً كعادتهم أو ربما عرفوه ولكن بسبب التغيرات المفاجئة في المناصب كالمعتمدين ووالي الولاية ووزرائها حدثت الكارثة.. أو ربما قاوم بعض المنتفعين من التجار والموظفين والإداريين (وما خفى اعظم) لتأخير إزالة الموقع وإعادة إنشائه وتطويره على طراز حديث يتفادى كل الأخطاء الماضية خاصة في الكهرباء والطرق والمساحات الداخلية فقد ظللنا نتبع عادات سيئة لا تحب التطوير أصابها الكسل اعتماداً على ثقافة سودانية سالبة وخاطئة لمفهوم القدر تعكسها كثير من الأمثلة الشعبية الرجعية المعروفة والكثيرة التي أقعدت تطورنا..

ترى لو كان المفتش الإنجليزى لا زال موجوداً هل كان سيسمح بهذه الفوضى والعشوائية؟ ربما لوحاولت الحكومة (الاستعمارية) التحديث والتطوير وعاقبت من يعارض تحديث وتطوير السوق ربما اعتبره بعضهم نوعاً من التسلط الاستعماري وقاومه مدعياً محاربة الاستعمار والوطنية وهناك بعض روايات عن ممارسات كهذه في الماضى.. ولكن الحكومات (الاستدمارية) المتعاقبة حتى يومنا هذه لا يهمها إلا الجبايات وحدها (وربما هناك مستفيدون مالياً من هذه الفوضى والعشوائية)..

كسرة: هل نسمع بلجنة محايدة وليس الشرطة وحدها لتحقق وتحدد مسؤولية من مضى وحالياً فيما حدث أم تمر كغيرها بسبب الجبايات (المليارية من السوق) تذهب للصرف السياسي البذخي والنهب المصلح للجيوب والعقارات والاحتفالات وما خفي أعظم وستعرقل التحقيقات؟ سنرى مثل الادعاء بمحاربة الفساد الذي انتهى إلى الانتقائية والتحلل ولازالت مفوضية محاربة الفساد في رحم الغيب!!

كسرة أخرى: من المخطئ في حرق مليارات الجنيهات هل أصحابها الذين لم يودعوها البنوك بسبب عدم الثقة فيها أم البنوك؟.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..