حريق السوق أم حريق الثقة

شمائل النور
يومان على التوالي يتابع الناس كارثة سوق أم درمان بعد حريق امتد ليشمل 300 دكان وخسائر مليارية، بضائع وأموال نقدية، الكارثة وضعت الجميع أمام مشهد مأساوي ومفجع، بالمقابل حجم الخسائر كشف حجم تراجع الثقة في النظام المصرفي.
لا أدري إن كان هؤلاء التجار قد أخضعوا محلاتهم لأي نوع من التأمين الذي تطرحه الشركات حتى يتم تعويضهم، لكن الأمر المهم والذي يتعدى خسارة التجار ليمتد إلى أكثر هو حجم السيولة الموجودة خارج النظام المصرفي.
معتمد أم درمان السابق علق في صفحته في فيسبووك فيما معناه أنَّ هذا عقاب رباني نتيجة التعامل الربوي، وغيره أيضاً سار في ذات الاتجاه الذي لا يخلو من الشماتة، مثل هذه الآراء والتعليقات لا تعبر فقط عن انعدام الحس الإنساني الفطري الذي لا يقبل الفاجعة لأحد، مثل هذه التفاسير تكشف بشكل آخر حجم الأزمة.
فهي تترك الجلاد وتجلد الضحية أضعافاً مضاعفة.. لماذا لا نسأل ما الذي اضطر التجار للاحتفاظ بأموالهم خارج النظام المصرفي.
الطبيعي أن يضع التاجر ماله في البنك، ولزاماً على البنك أن يوفر طلبات عملائه، لكن الأمر بات غير ذلك، فإن كانت البنوك لا تسمح لك بصرف راتبك دفعة واحدة فكيف لتاجر كل تعاملاته بالمال، أن يذهب بنفسه ويضع أمواله في البنوك وحينما يحتاج لا يصرف له إلا ما يقدره البنك.
هذا يعني فعلياً وقف النشاط التجاري للتاجر وتعطيل عمليات البيع والشراء. وجود هذه الأموال الضخمة داخل المحال هو طبيعي وأكثر من طبيعي في ظل هذا الوضع.
لا أعتقد أنَّ ما حدث في سوق أم درمان سوف يغيّر رأي الناس حول حفظ الأموال، سوف يجتهد الناس في طرق أكثر أمناً لكن بأية حال لن تكون من ضمنها المصارف.
قبل أيام، قال رئيس الوزراء ما معناه إنَّ المركزي يضخ الأموال في البنوك لكن المواطنين يسحبونها أو ما يشبه ذلك، كأنه يرمي باللوم على المواطنين الذين يهرولون نحو البنوك.
طبعاً من حق أي مواطن أن يسحب كل أمواله الموضوعة في البنك حتى لو لم يكن بحاجة إليها وقت السحب، لأنه وببساطة إن حلت عليه ضائقة ربما لن يجد سبيلاً لسحب ما يسير أموره، فما بالك بتجار يبيعون ويشترون على مدار اليوم.
الخطأ ليس فقط في إجراءات السلامة والتأمين وهذه مثبتة ومتفق عليها، لكن الخطأ الكبير والضرر الأكبر أن تكون هذه الكتل النقدية خارج النظام المصرفي، وعلى ذلك قس حجم الكتل النقدية في قطاعات وأسواق أخرى، جميعها خارج النظام المصرفي.
سياسات الحكومة التي اتبعتها خلال الشهور الأخيرة ولا تزال تحتاج أن يعاد تقييمها بجرأة، مثلاً تحديد سقف السيولة على نحو خاص، من الكاسب ومن الخاسر، ماذا جنتْ السلطات غير السخط ودعوات الناس المتلاحقة.
التيار