المتأسلمون حين تفضحهم الحريات العامة

ظهور قادة التنظيم الإخواني المتأسلم في الجلسة الأخيرة بتلك المعنويات الواثقة من حفظ القضاء لكافة حقوقهم، تمثّل في الواقع صورة من صور الحريات العامة في الإمارات. فمن يتم تعذيبه أو تخوفيه أو التعدي على حقوقه التي كفلها الدستور، لا يمكن أن يظهر بهذا المظهر.
بقلم: د. سالم حميد
مثّل بدء جلسات محاكمة المتهمين من قادة التنظيم الإخواني نكسة كبرى للتنظيم بوضع مصداقيته على المحك بعدما جزم أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بعدم حدوث ذلك، ما جعله يختلق عشرات المبررات المتناقضة التي يحاول عبرها شغل الساحة عن كذبته القديمة، ولكنه فوجئ بما لم يكن في الحسبان، فالإمارات كدولة قانون تعاملت مع الأمر بمهنية قانونية عالية جنّبت القضاء حرج التأثّر بما تقوده الآلة الإعلامية لهذا التنظيم، ولم يحفل بمحاولاتها خلق رأي عام مضاد لنتائج المحاكمات التي أعلن التنظيم رفضه لها وطعن فيها قبل أن يعرف فحواها، وما إن كانت ستصب في مصلحة أعضائه الموقوفين أو تدينهم.
وفي الجلسة السابقة ظهر موقوفو التنظيم الإخواني بمعنويات دحضت كل الافتراءات التي قادها التنظيم حينما ادّعى أن جهاز أمن الدولة قام بخطفهم وتعذيبهم، وأيضاً حينما كذب على الرأي العام وقال إنهم ظهروا في جلساتهم السابقة بصورة يرثى لها وتحدّثوا عن سوء معاملة لا يمكن أن تحدث في دولة الإمارات قياساً بطبيعة الحياة فيها، فما أن دخلوا إلى المحكمة حتى بدأوا في التغنّي بأناشيد إخوانية، وللأناشيد الإخوانية عند منتسبي التنظيم مكانة تتقدم على كل ما عداها من رموز السيادة، وقد اشتهر التنظيم بتحفيظه النشء والكبار على السواء عدّةَ أبيات تجنح للعنف، وتكشف الوجه الدموي للتنظيم.
والمتأمل في هذه الأبيات التي تمثّل السلام الوطني الإخواني في كل مواقع تواجده يدرك بسهولة أنها تخلو من كل عبارات السلام واللين، ولكنها تضع المصحف والسيف في كفّة واحدة، وهي ذات الطقوس المرتبطة بطقوس قسم البيعة والولاء والتي يدخل فيها الشخص المنتمي لـ«الإخوان» حجرة مظلمة ليس فيها سوى المسدس والمصحف وشعار التنظيم الإخواني المتأسلم، وهو عبارة عن سيفين مكتوب تحتهما عبارة «وأعدوا»، وها هي نهاية الإعداد تزج بالتنظيم إلى مهاوي الردى في كل بقعة من بقاع تواجده، فالتضليل الأساسي الذي يمارسه التنظيم على العامة هو الخلط المتعمّد بين الآيات التي نزلت في مخاطبة المسلمين، وتلك التي تخاطب غير المسلمين، وهو ما يجعل شعارهم يناقض تماماً قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). فالدين الإسلامي عند «الإخوان» يختلف عن الدين الإسلامي الذي تعارف عليه المسلمون وبموجبه أصبحوا دعاة حضارة وإنسانية وتقدّم، لأن تجنيد النشء والدفع بهم إلى أتون الحروب المشتعلة في مختلف الأماكن، وتشريد السكان الآمنين، وتنفيذ الأجندة المشبوهة، وغيرها من الصفات الإخوانية التي تمشي عرجاء بأرجل فتاوى مصنّعة للأحداث التي يريد التنظيم حرفها وليّ عنقها لتتوافق مع مراميه وأطماعه.
ظهور قادة التنظيم الإخواني المتأسلم في الجلسة الأخيرة بتلك المعنويات الواثقة من حفظ القضاء لكافة حقوقهم، تمثّل في الواقع صورة من صور الحريات العامة، فمن يتم تعذيبه أو تخوفيه أو التعدي على حقوقه التي كفلها الدستور، لا يمكن أن يظهر بهذا المظهر. ويكفي مدافعو التنظيم الإخواني الذين يتشدقون بأباطيل مفتراة في حق الإمارات، أن يعقدوا مقارنة بسيطة بين سجون الدول التي يحكمها «الإخوان»، وسجون دولة الإمارات العربية المتحدة، وحال موقوفي تلك السجون، وحال موقوفيهم في سجون الدولة، فالمحاكمات في الدول الإخوانية فضحتها وسائل الإعلام المختلفة، فمن تنفّذ فيهم الدولة الإخوانية الأحكام دون محاكمات، أكثر بكثير من المسلوبة حقوقهم في المحاكم الإخوانية، ومن يكون هناك في حال ووضع وتهم موقوفيهم، يبقى التعامل معه في البلاد الإخوانية عبر المحاكم العسكرية لا المدنية، ويبقى الحكم فيها قاسياً ومحفوظاً للكل، فالدول الإخوانية ليست سوى دول بوليسية تسودها شريعة الغاب الإخواني، والأمثلة والنماذج لا تحتاج لتبيان، وتعامل «الإخوان» مع خصومهم ومخالفيهم في الرأي تملأ صفحات المنظمات الحقوقية في كل مكان، ويكفي أن ندرك بأن البلاد الإخوانية تمثّل أكثر البلاد العربية التي يعيش مواطنوها خارج أوطانهم، وهي أيضاً من أكثر البلدان التي تعيش صداماً مستمراً مع شعوبها، وأكثرها انتهاكاً لحقوق وكرامة الإنسان.
وما تنسمه موقوفوهم من نسمات الحرية العبقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، للدرجة التي دخلوا فيها المحكمة وهم ينشدون الأناشيد الإخوانية، أسقطهم سقطة كبيرة حينما حاولوا الختام بالنشيد الوطني للدولة، حيث تلعثموا فيه وكشفوا عن عدم حفظهم لكلماته، وهي سقطة عظيمة كشفتها هذه الحريات العامة التي ظلوا يطالبون بها في الإمارات وهي موجودة، ويمنعونها في البلاد التي يحكمونها ويضنّون بها على شعوبها، وهو حدث يعيدنا لدائرة البيعة التي يؤدي فيها المنتسبون للتنظيم السرّي للإخوان المتأسلمين قسم الولاء والطاعة لمرشدهم الأعلى، والقاضي بالولاء المطلق له، والكفر التام بالوطنية والمواطنة والحدود الجغرافية للأوطان، وقد فعلتها الحكومة الإخوانية في مصر التي رفضت في بداياتها النهوض لتحية العلم عندما بدأ عزف السلام الجمهوري المصري، لكنها وقفت خاشعة خشوع المؤمن في الصلاة، حينما تم عزف السلام الوطني الأميركي بالسفارة الأميركية التي كانوا ضيوفاً عليها!
فمن غير المستغرب إذن أن يحفظ موقوفو قادة التنظيم الإخواني أناشيد البنّا التي تدعو لسفك الدماء وتكفير غير المنتمين للتنظيم، ولا تجيد حفظ كلمات النشيد الوطني على بساطتها وقلة كلماتها! فالوطن عندهم ينتهى بقسم البيعة والانتماء، ولذلك كان التنظيم الإخواني يخطط لاستخدامهم ضد مصالحه ودون أن يرمش لهم جفن، لأنه أراد للوطن أن يبقى بأعينهم وفكرهم وأحاسيسهم في حكم الميّت الذي ينبغي أن لا يكون هناك أي وجود له، لأن الوجود الحقيقي في فهم التنظيم يكون فقط لدولة الخلافة الإخوانية، وهي ذات الدولة الافتراضية التي تسعى الماسونية لتحقيقها على الأرض بعدما رسمت جغرافيتها ومخططاتها التسييرية أوهاماً في أذهان قادتها ومنتسبيها.
والسؤال البارز الذي يفرض نفسه في هذه الحالة هو ما جدوى أناس لا يحفظون حتى النشيد الوطني لبلدهم؟! وهل الولاء للوطن ينفصل عن حفظ واحترام نشيد السيادة؟!
د. سالم حميد
كاتب من الإمارات
ميدل ايست أونلاين