كــأس العالـم حـرام شرعـاً..

شئ من حتي

كــأس العالـم حـرام شرعـاً..

د.صديق تاور

(1)
٭ خصص إمام المسجد في أحد أحياء العاصمة خطبة صلاة الجمعة في أول أسبوع لمنافسات جنوب افريقيا للحديث عن كأس العالم، حيث اورد على ما نذكر أن هذه الكرة فتنة، و،أنها تلهو الناس عن الصلاة وعن الذكر، وأن كأس العالم هذا هو صناعة غربية جاء بها اليهود وأهل الغرب لكيما يلهو بها المسلمين.
وأن مشاهدة هذه المباريات سواء في المنزل أو في نادي مشاهدة هى حرام شرعاً. وطيلة مدة الخطبة (الأولى والثانية) لم يستطع الكثير من المتابعين لهذا الشاب الذي يبدو من ملامحه أنه دون الثلاثين من العمر، لم يستطيعوا إلتقاط وجه الحرمة في مشاهدة مباراة من مباريات كأس العالم أو كيف تتحول الكرة التي لابد أنهم جميعاً قد لعبوا بها في يوم من الايام في المدرسة أو في الحي أو في النادي الى حرام مثل الخمر والزنى والموبقات. والاسئلة المزدحمة حينها عن دُور الرياضة الكثيرة في بلاد المسلمين وليس في السودان وحده، وعن وزارة الرياضة وإتحادات كرة القدم والسلة والكرة الطائرة، وعن التمارين الرياضية في الاحياء والمدارس وملايين الملايين من جمهور الرياضة الذي يحتشد في الاستاد لمتابعة هذا الفريق أو ذاك وما الى ذلك وكمال شداد، والرشيد بدوي عبيد، والعجب والمعز وجمال الوالي وصلاح ادريس و… الخ الخ. هل كل هؤلاء يروجون للحرام ونحن غارقون فيه حتى الثمالة؟!
نفس (الإمام؟!) الشاب كان قد خصص خُطبة صلاة الجمعة في الاسبوع الاول من شهر ابريل 2010م عن الانتخابات. وقد افتى حينها بأن الديمقراطية ليست من الاسلام في شيء لأن الاصل في الاسلام هو الشورى وليس الديمقراطية التي جاء بها الغرب كيما يشغل المسلمين بالدنيا والحكم ويلههم عن آخرتهم.
وأن الواجب هو طاعة الحاكم المسلم (حتى ولو كان ظالماً). ثم بقدرة قادر عرّج صاحبنا على شروط اختيار الحاكم، حيث افاض في الحديث عن (القوي الامين) طالباً من جموع المصلين أن يدلوا بأصواتهم لهذا (القوي الامين) ولم يتبق له إلا أن يقول لهم صوتوا لرمز (الشجرة). وقد فات على هذا الشاب (إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا).
وفي مسجد آخر تمحورت خُطبة الإمام حول الكفر وأنواع الكفر ودرجاته والكفر الذي يُخرج صاحبه عن الملة والكفر الذي لا يخرجه عنها وهكذا واستشهد على ثلاثين مرجعاً من أهل العلم في المملكة السعودية ذكر من بينهم (بن باز) لتنتهي الخطبة بأن هذا التصنيف التمفيري يبقى الخطيب واتباعه فقط ضمن الفرقة الناجية، بينما بقية المصلين على هذه الدرجة أو تلك من الكفر وفقاً لمسطرة هذا الامام، الذي تعثر أكثر من مرة في قراءته للآيات أثناء أداء الصلاة.
ما ينطرح في هذا الجزئية هو هل يعبّر هذا الإمام أو ذلك عند الخطبة عن رأيه الشخصي أم عن رأى الدين الحنيف الواضح والمتفق عليه. فالفارق كبير بين استخدام المسجد كمنبر للترويج لأفكار جهة سياسية معينة أو مجموعة ذات مستهدفات دنيوية خاصة بها، وبين أن يكون المسجد مكاناً للعبادة والتعبد والتقريب بين النفوس والتقريب الى الله والدعوة لما ينفع الناس ويبعد الفتنة. فالقضايا الخلافية هى وجهات نظر من إجتهاد بشر تقبل الصواب والخطأ في التفسير والفهم وبالتالي لا يمكن إلباسها قدسية بتقديمها للناس من خلال المنابر الدينية ذات الحرمة والوقع الخاص في نفوس العباد. ولا نعتقد أنه من مصلحة الاسلام والمسلمين تكفير كل المجتمع بحيث يكون المسلمون هم قلة بين العالم، ولا من مصلحة الاسلام والمسلمين وضع الناس في تناقض مع تصرفاتهم وسلوكياتهم الانسانية الطبيعية والبريئة التي لا تتناقض مع الدين في شيء.
كما أنه من غير اللائق تقديم شخص تنقصه التجربة والمعرفة ليخطب في الناس عند صلاة الجمعة، لأن في ذلك عدم إحترام لعقول المصلين، ومن ناحية فيه خطورة على الاسلام نفسه حيث يطرح الكثير من هؤلاء أفكارهم وآراءهم الشخصية أو التنظيمية بإعتبارها رأى الدين، وفي كثير من الاحيان هذه الاطروحات غير موفقة مما يعكس صورة غير حقيقية عن الدين الذي تنزّل عبر الوحي وتكامل بالسنة النبوية. من هنا فإنه إحتراماً لهذا الدين القيم وحرصاً عى عدم تشويهه وإحتراماً لعقول الناس فإن على الدوائر التي تدفع أمثال هؤلاء كيما يتبوأوا المنابر ويخاطبوا الناس بإسم الدين دونما إعداد كاف ان يتقوا الله في دينه وفي عباده.
(2)
٭ الشعار الذي واجهت به جماعة الاسلام السياسي قبل (الانقاذ؟!) اتفاق الميرغني- قرنق عام 1988 كان هو (لا سلام بلا إسلام) في مقابلة غريبة بين شيئين متكاملين ويخدم كل منهما الآخر ولا يمكن أن يوجد بينهما أي تناقض، لأن الاسلام هو دين السلام والمودة والمحبة والترابط والتعاون بين الناس كافة. «المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده».
و«المسلم ليس بطعّان ولا لعّان ولا بذي».
و«لا إكراه في الدين» -«وإنما أنت مذكّر» و«لست عليهم بمسيطر» و«أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وغير ذلك من نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية لا تنقطع، كلها تحض على السلام.. ولكن الأجندة السياسية لحزب الجبهة الاسلامية القومية وقتها «المؤتمر الوطني حالياً» التي فرضت عليه الوقوف ضد رغبة الاجماع الوطني السوداني كله، جعلت الحزب يصوّر اتفاق الميرغني-قرنق على انه ضد الشريعة وضد الاسلام والمسلمين، في حين انه بقراءة مقارنة سريعة بين ذلك الاتفاق واتفاق نيفاشا 5002م الذي يقترب من نهاياته الكارثية نصل الى ان الاول كان افضل آلاف المرات من الأخير. فاتفاق الميرغني-قرنق قد تمحور حول قضايا اساسية واضحة هي عقد مؤتمر قومي جامع لكل اهل السودان يتفاكر ويضع الدستور الذي تحكم به البلاد ولم يكن في الواقع ما يشير الى اقصاء اي طرف او تنظيم من هذا العمل، ويضع ايضاً حلاً لمشكلة الحرب في الجنوب بما يحفظ حقوق اهل الاقليم ضمن الدولة السودانية دون ان يكون هناك مجرد خاطر عن تقرير مصير او ترسيم حدود او استفتاء او جيشين او دولتين او ابيي او اي من هذه القنابل المزروعة بواسطة نيفاشا، مع ذلك أبت مصلحة الجماعة السياسية الا ان تقطع الطريق امام هذا المخرج بحجة انه ضد الاسلام وضد الشريعة ويهدد وحدة الوطن. وهو المنطق الذي نفذت به جماعة «الانقاذ؟!» انقلابها في 30 يونيو 1989م قبل خمسة ايام فقط من التوقيع النهائي على اتفاق الميرغني-قرنق في 4 يوليو 1989م باديس ابابا بين الصادق المهدي رئيس الوزراء والراحل جون قرنق رئيس الحركة الشعبية وقتها.
بعد 30 يونيو 1989م توسعت دائرة الحرب جغرافياً وغطت مساحات اوسع من السابق، وتعمقت الجراحات في النفوس بأعمق مما كانت عليه، ونزفت دماء كثيرة من ابناء وبنات السودان شمالا وجنوبا لينتهي الامر بعد عقدين من الزمان الى اتفاق ينتهي بتقسيم السودان الى اكثر من دولة اولها دولة في الجنوب ثم يتجه قطار التفتيت لبقية الاقاليم.
لقد اديرت الحرب في الجنوب باسم الاسلام والشريعة وباسم المسلمين، في حين انها حقيقة كانت حرباً بين حزبين سياسيين الحاكم فيهما في المركز له اجندته في البقاء في السلطة لاطول مدة والانفراد بها باقصاء كل ابناء السودان وبناته وتوظيفها لخدمة دوائر محدودة مربوطة بالسلطة والقائمين عليها، بل قدمت تجربة «الانقاذ؟!» في السودان صورة غير مشرفة عن الاسلام والمسلمين من خلال تهيئة المناخ لتفريخ الازمات ثم ادارتها بطريقة تزيد التناحر والتوترات.
لقد رفضت جماعة الانقاذ اتفاق الميرغني- قرنق باسم الاسلام وباسم الشريعة ثم قبلت اتفاق نيفاشا 2005م باسم الاسلام والشريعة. وبعد دمار وخراب كبيرين للبلاد وخسائر لا تحصى ولا تعد، وفي النهاية فان ما حدث ويحدث هو مواقف سياسية تخص الحزب ولا تحسب على الاسلام أو المسلمين، فأرحموا شرع الله يرحكم الله.

الصحافة

تعليق واحد

  1. "المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده" و ليس "الناس" ..مع اتفاقي معك في الموضوع..ولك التحية

  2. أتفق مع الكاتب فيما قاله .. مع تعقيب بسيط على تعليق الأخ محمد أحمد فالحديث
    النبوي الشريف ونصه : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ولا خلاف في هذا النص
    كما ورد في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام وهذا النص لا يتنافى مع أن يسلم
    الناس من لسان المسلم ويده فاذا سلم المسلم من لسان المسلم ويده هذا يقتضي أن يسلم الناس من لسان المسلم ويده لأن الاسلام جاء للناس كافة .. ولك التحية يا أخ
    محمد أحمد…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..