الاسلامويون ونفق الازمات

يرعى الاسلامويون الأزمة لتتفاقم وتتضخم ليصلوا بها إلى لحظة يقف أمامها الجميع في حالة عجز وخواء. ما فاتهم التفكير فيه يكمن في أن المجتمعات لم تعد ساكنة مثلما كانت في القرون الخوالي.
بقلم: فاروق يوسف
قيل يومها “جربنا كل الحركات والتيارات السياسية وفشلنا. فلنجرب هذه المرة الأحزاب الدينية التي كانت على الدوام مستبعدة من الحياة السياسية” غير أن هناك من كان يرى ان تلك الاحزاب لا تحتاج الى الوصول الى الحكم لتؤكد انفصالها عن الحياة المدنية وان مشروعها السياسي لا يتوافق مع شروط ومقومات بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، التي هي دولة المواطنة، بكل ما ينطوي عليه مفهوم المواطنة من مساواة وصيانة للحريات الشخصية وأسس العدالة الاجتماعية. وما بين القبول والرفض كان وصول الاسلامويين الى السلطة في غير بلد عربي أشبه بالقدر الذي لا يمكن الفرار منه. لقد هُزم الجميع ولم يبق في الساحة سواهم. لذلك جاءت نتائج الانتخابات لصالحهم بدءا بالعراق وانتهاء بمصر مرورا بتونس. تلك النتائج التي فاجأت النخب السياسية والثقافية العربية لم تفاجئ أحدا في الغرب. المثقفون العرب المؤمنون بحكمة الغرب جزافا، كان لسان حالهم يقول بشيء أشبه بالثقة “سنجربهم ليفشلوا”. قول يؤكده الواقع كل لحظة غير أنه لا يصمد أمام حقيقة ما تسعى إليه التيارات الاسلاموية.
لدى الاسلامويين معيار آخر للتحقق من الفشل أو النجاح.
إنهم وبشكل مطلق لا يرغبون في بناء الدولة الحديثة التي تحلم النخب الثقافية العربية في رؤيتها ناجزة، لا لشيء إلا لأنهم لا يؤمنون بها. ما من شيء في جدول أعمالهم يمت بصلة إلى تكريس الديمقراطية مبدأ للتداول السلمي للسلطة. ما من شيء في معاجمهم يشير إلى الحريات الشخصية أو حقوق الانسان. بالنسبة لهم فان السلطة الشمولية المطلقة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق “شرع الله” الذي لا جدال فيه. وهنا يجري ترحيل كل المشكلات الااجتماعية والاقتصادية الى زمن وهمي هو جزء من شبكة معقدة من الاستيهامات والتخيلات التي ستتشكل حين يستتب الأمر للحاكم “العادل” الذي سيطل من عالم الغيب. بل أن هناك ايمان راسخ لدى البعض ينص على أن تفاقم المشكلات الدنيوية يساهم في التعجل بظهور ذلك الحاكم العادل.
وهكذا تكون الأزمة المفتوحة التي يعيشها العراق منذ أن تم احتلاله ووقوعه تحت هيمنة الاحزاب الدينية مقصودة لذاتها. الحكومة هناك لا تنصت إلى أحد، لا بسبب نزعتها الطائفية، وهو أمر مؤكد، بل لانها تسعى الى الوصول الى اللحظة التي يكون فيها حكمها مطلقا. وهو ما بدا واضحا في سلوك الرئيس المصري محمد مرسي، الذي لم يتخل عن كونه عضوا في جماعة دينية لها مشروعها الذي لا يمت بصلة الى مشروع الدولة المصرية الذي يجمع بين ثناياه كل فئات الشعب المصري، بالرغم من أن مرسي نفسه كان قد إدعى في الأيام الأولى من رئاسته إنه اُنتخب ليكون رئيسا لكل المصريين.
ما يمكن أن نسميه بـ”نفق الازمة” مطلوب لذاته من جهة كونه الوسيلة الوحيدة القادرة على الاستجابة لمتطلبات المشروع الذي تسعى إليه التيارات الاسلاموية مستغلة وصولها إلى الحكم. ذلك النفق هو المكان الذي حين يدخل إليه المجتمع يكون من الصعب بعده التفكير بما سبقه وهنا بالضبط تقع نفطة اللاعودة. في عتمة ذلك النفق سيكون في إمكان الاسلامويين وقد انفردوا بسلطة القرار أن يحتكروا التفكير بالحلول التي تنسجم مع مششروعهم لانقاذ المجتمع من ضلالته وغيه وفجوره.
يرعى الاسلامويون الأزمة لتتفاقم وتتضخم ليصلوا بها إلى لحظة يقف أمامها الجميع في حالة عجز وخواء. غير أن ما فاتهم التفكير فيه يكمن في أن المجتمعات لم تعد ساكنة مثلما كانت في القرون الخوالي، بل ان تلك المجتمعات صارت تعيش حالة حراك فكري وروحي تؤهلها لابتكار حلول لأزماتها تقع خارج رهان المعادلة التقليدية التي تضع كل البيض في سلة السلطة.
اسلامويو العالم العربي يحفرون اليوم نفقا سينغلق عليهم في أية لحظة.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين
حمل السلاح ضدهم هم لا غيرهم هو الذى يفاقم ازماتهم