أشبه بقصيدة

في التنك 52

أشبه بقصيدة

بشرى الفاضل
[email protected]

كنا تلاميذ بمدرسة حنتوب الثانوية في مطلع السبعينات حين سمحت إدارة المدرسة للمهتمين بالآداب منا بالذهاب لنادي الجزيرة الفخم بمدني(ترى هل ما زال فخماً كما كان أم زحف عليه السودانيون الجدد العجولون فحولوه إلى مطعم للأغذية المكشوفة السريعة؟ )
ذهبنا لحضور أمسية شعرية للشاعر العربي السوري نزار قباني .جاء نزار وكان من الصور التي ابتدر بها الأمسية وعلقت بذهني حتى الآن بأكثر من شعره وصفه للجزيرة المشروع سيدة الاسم إذ قال:
– حين حلقت بنا الطائرة من الخرطوم فوق سماء الجزيرة رأيتها أشبه بقصيدة.
وصفق الحضور تصفيقاً داوياً.هكذا استطاع ذلك الشاعر بجملة واحدة وصف واحد كان من أهم المشاريع الزراعية المروية رياً انسيابياً في أفريقيا والشرق الأوسط. قال أشبه بقصيدة وقد صدق.
شقت القنوات من خزان سنار قنوات رئيسية (كنارات)مروراص بمدني والحصاحيصا والكاملين وبجانبها قنوات فرعية (ترع) ، إلى مناطق الحلاوين وما بعدها قرب الخرطوم مئات الكيلومترات ينساب فيها الماء دون روافع من القنوات الرئيسية إلى الفرعية ومن الفرعية غلى (أب عشرين) ومن (أب عشرين) إلى (أب ستة) وهذه جداول أصغر فأصغر ينساب منها ماء الري إلى (السراب) داخل الحواشة وتحميه (التقانت).وهكذا يكون في وسع الناظر من الجو إلى المشروع ككل أن يبصر قصيدة عمودية خضراء أكبر من أي معلقة؛ سطورها السراب ومقاطعها الإنقايات والحواشات ومابين سطورها الجداول في ديوان شعر جامع مانع مخضر اسمه الجزيرة.
ترى لو قدر للشاعر الراحل نزار أن يعود ويرمي ببصره من نافذة الطائرة من جديد ما ذا كان سيرى؟ طبعاً سيرى الإهمال في القنوات وتدفق المياه في شوارع المرور بين الحواشات وغيابها عن الزرع وموات الضرع وربما يقوم بكشط نقطتين من فوق حرف القاف في دفتره الشعري القديم ويكتب سطرا جديدا يقول:
– الجزيرة صارت أشبه بعصيدة.
_______________
نشر بصحيفة الخرطوم يوم الخميس